خاطرة

داخل حدود كتاب، بقلم : سارة عبد الرؤوف سلحب

يَستعصي علينا تفسيرُ رغبتنا المُلِّحة بشيءٍ ما، نُكَرِرُهُ ونُدرِكُه، ندرسُ تفاصيلَهُ ونعطيهُ جُلَّ اهتمامنا، نألفهُ فيصبحُ جُزءاً مِنا.
لو نظرنا للجانبِ المشرقِ من عالمنا لَفَهِمنا معنى أن يحيا أحدُنا إنساناً حُرّاً،
معنى كونهِ مُفكراً وطموحاً.
سؤالٌ لطالما جالَ بذهني عن هذا النوعِ مِنَ الحُرّية، بالواقعِ هيَ قد تتقمصُ من الأشكالِ الكثير لكنَّ النوعَ الأكثرَ إثارةً هوَ ما يتبادرُ إلى أذهاننا دونَ سابقِ تصميم
كالأفكارِ التي تقتحمُ خلواتِنا وتزيحُ لنا ستارَ الأحلامِ لنسرحَ في تفاصيلها، كالأماكنِ التي تأخُذُنا إليها الحكايات عبر طرقاتٍ من نسجِ الخيال أو الأشخاصِ الذينَ نُقابلهم في طيّاتِ الكُتُب.
هُنا تَستوقفني الكثيرُ من الأسئلةِ تطرحُ نفسها على طاولةِ أفكاري تُناقشني وتمنَحُني مُتعةَ الحِوار.
هل ياتُرى نِساءُ وبناتُ قريتي يحلُمنَ أمْ أنهنَّ بِمُشاهدةِ الغالمِ بِصمت؟
هل قررت إحداهُنَ يوماً أن تجوبَ العالمَ في تفاصيلِ خريطة، أو تحفظنَ المعلَّقاتِ الطويلة وتُرَدِدنَ الأشعارَ على مسامعِ الملوك؟
هل امتطت إحداهُنَ حِصاناً عربياً، أو تنزهت مع عشيقها في حدائق كاليفورنيا؟
هل زُرنَ شوارعَ لندن، أو سلَ الطُرُقَ إلى روما؟
هل تزوجت إحداهُنَ دوقاً انكليزياً، أو اتبعت قواعد الاتيكيت الملكي؟
هل سمعت إحداهُنَ بقصورِ الأندلس، أو أخدت سيلفي إلى جانبِ برج ايفل؟
هل قرأت إحداهُنَ الرواياتِ البوليسية، أو شاهدت فيلماً بوليودياً، أو ياترى تسلقنَ قِمة إيفرست؟
أو تذوقنَ أكوابَ القهوةِ البرازيلية؟
أنا مِثلهُن.. لم أتزوج الدوق، ولم اتبع الاتيكيت، ولم يُحالفني الحظّ بصورةِ سيلفي أمامَ معلمٍ أثريّ كبرجِ إيفل،
لكنني جُبتُ الرواياتِ المُشوِّقة وقرأتُ الكُتُبَ والمؤلفات مُتعددةَ الفُصول،
كُنتُ أشعرُ بِكُلِ روايةٍ أنني أجوبُ الأماكنَ معَ أبطالِها.. حيثُ أنني أذكرُ كيفَ غِصتُ إلى قاعِ المُحيطِ ذاتَ مرةٍ وكيفَ زُرتُ الجزيرةَ المهجورةَ خلفَ البحارِ السبع،
وحِلّقتُ على متنِ حوّامةٍ فوقَ جبالِ الهيمالايا وبحثتُ عن الكنزِ في صحراءِ سيناء
ومرةً أُخرى نجوتُ من آكلي لحومِ البشر و من أفاعي الكوبرا في غاباتِ الأمازون،
وأتذكرُ جيداً عندما دخلتُ مغارةَ علي بابا وسردابَ فوريك، وكيفَ بِعتُ الكبريتَ في ليالي البردِ القارص،

إقرأ أيضا:يوم ميلادي،بقلم:ضحى البكر”خاطرة”

هيَ مغامراتٌ قضيتُ الساعاتَ الطويلةَ أقرأُ عنها وأدفعُ نفسي للتعمقِ في أحداثها فأجدُ نفسي بكلِ مرةٍ بطلةً من أبطالها،
شيءٌ مِنَ الحُريّةِ معَ الخيال قَدْ تمزجكَ بأماكن وأشخاص، تدمجُكَ بأحداثٍ ومغامرات، تأخُذُكَ لعوالمَ أُخرى، تجعلُ منكَ رَحّالاً إذا أرادت، قد تجعلكَ إمبراطوراً في كتابٍ ما أو أميراً في أُخرى، قد تجعلكَ المُجرم أو الضحية، الظالم أو المظلوم، العبد أو الملك،قد تجعلكَ الأقوى أو توصلك لحدودِ الهَذَيان.
هي فقط قد تجعل منك إنساناً آخر داخل حدود كتاب….

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
“خاطرة” فراغ، بقلم:وصال مصعب شهابي
التالي
رسالة إلى القمر، بقلم : رغد حسين حمود

اترك تعليقاً