خاطرة

هلوسات، بقلم : رهف محمد عثمان

“كأنَّ السعادة تستثقِل نفسها في زيارتي، فتقررُ المُغادرة بعدَ وصولها بهُنيهة”
تفوهتُ بهذه الكلمات بحزنٍ وبؤس، لأزفر تنهيدةً مكسورةً، تضلعُ على قلبي، لقد عُدت للجنونِ مرّة أُخرى، لا أظنُّ أنّ عقلي قد يتعافى هذهِ المرة، أفكارٌ تتراقصُ في رأسي، وخططٌ كثيرةٌ أفكرُ بها، ماذا أفعل؟  لينتَشلني صريرُ الباب من أفكاري..
– مرحباً عُمر، كيف حالك؟
 أهلاً دكتور، لا أعلم، لستُ بخير..
– هيا يا صديقي، لنبدأ جلسة اليوم، أغمِض عينيكَ وأفرِغ ما بجُعبتكَ يا عُمر…
 قضيتُ حياتي وأنا أُحدّق بشيءٍ واحد، ثُمّ فقدته، مضى على وجودي هُنا قرابةَ الشَّهرين؛ بعدَ عدةِ أفعالٍ جنونية قمتُ بها، والتي على إثرِها حظيتُ بكرهِ الآخرين، وأرسلوني إلى مصحةٍ لَعينة بائسة، لأُكملَ حياتي بينَ جدرانٍ كريهةٍ تزدانُ بالشُقوق، وسقفٍ مليءٍ بالعَفن _هذه الجَلسة السّابعة عشر مع الطبيبِ النَّفسي، لا جديدَ سوى جلسات أُخرى تتشِّح بالحزن_ لا أعلمُ كيف أُخرِجُ هذهِ الوحدة من نُقيّ عظامي، لا أعلم كيف أكتم أنينَ قلبي حين أنام، هذا العالم وهذه الغُرفة التي أرقُد فيها ضيقةٌ ومُخيفةٌ جداً، أصبحَ العالم وحشاً ينهشُ أحلامي، يقفُ في منتصفِ طريقي ويسلبُ كلّ ذرةِ شغفٍ مني..
– صَمَتَ عُمر، أرادَ أن يقول شيئاً آخر، ولكِن لم يستطِع، وكأنّ رأسهُ قد امتلأ بالدمعِ من الداخِل، لم يترُك لي مجالاً للحديثِ وتابع: شرايينُ قلبي تسوّد، واليأسُ يلتحفُ بالبؤس، لينسَدلا على مجرى أورِدَتي، فيتعتَّقُ الوجع بداخلي، أسمعُ أصواتاً كثيرةً داخل رأسي، أحدهُم يهمسُ لي: انتحر، أمّا الآخر يقول: اقتل من قتلَك، ثمَّ صوتٌ آخر: هناكَ حسابٌ وعقاب، آخرٌ يعلو صوتُه: دُنيا فانية، أشعل سيجارةً، تتقاذفُ الأصوات داخل رأسي، أٌُهرب من هذا المكان اللّعين، انتحر، اُقْتل، دخّن، ابْكِ، عاتِب، هرول، قطِّع شرايينكَ؛ فالموتُ هو المَخرجُ الوحيدُ لكلِّ هذا…
رأسي تؤلمُني، تَتداخلُ الأصوات بعضُها ببعض، لتصلَ عنانَ السَّماء، فتعصفُ كزوبعةٍ بين جُدرانِ عقلي، أمسكُ رأسي، كمحاولةٍ يتيمةٍ لإسكاتِها.
_عُمر، اهدأ، خُذ اشرب كأساً من الماء..
 شكراً لك… انظر، أُريدكَ أن تعلمَ أنّي لستُ مجنوناً، لستُ مجنون، لا أدري ماذا أفعلُ هنا، ولا أدري لمَ الأشباحُ تُطاردني، لا أعلمُ أيضاً سرَّ الأصوات داخل رأسي، أنا لا أعلمُ كيف لكل هذه القطعِ المُنفصلة أن تكونَ أنا، أريدُ ولا أريد؛ والمُنتصفّ مُميت..
لم أتمالك دُموعي، فانهمرَت بكلِّ دفقها على وجنَتيّ، ابتسمتُ حتى تخدَّرت شفتايَ، وسُرعانَ ما تَحولت ملامحي لشبحِ حُزنٍ بعدَ انتهاءِ ابتسامتي، وعُدتُ لبؤسي المَعهود..
_ حسناً عُمر، خذ هذا الدّواء وأرِح عقلكَ قليلاً، نلتقي الجلسة القادِمة..
 قالها الطبيبُ وهو يغلقُ باب الغُرفة، فتحتُ عينيّ لأتناولَ الدواء، لكن لا دواء على الطاولة، أينَ وضعهُ ياترى؟
التفتُ لأبحثَ عن الدّواء، ليُفتح بابَ الغُرفة على مصراعيهِ ويأتي صوتُه.. مستعدٌ لجلسةِ اليوم؟
حملقتُ بعيني في ذهول دون درايةٍ عمّا يحدُث، ماذا يحصُل؟
ليأتيني صوتهُ ثانيةً وهو يقول: أغمِض عينيكَ وأفرغ ما بجُعبتكَ يا عُمر…
إن كنتَ أنتَ الطبيبُ فارس، إذاً من الذي خرجَ للتو ؟!

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
الحب لا يموت، بقلم : سام خليل ذيب
التالي
مُتعب: بقلم : محمد مصطفى باكير

اترك تعليقاً