مقالات ونصوص متنوعة

إنفصام، بقلم : رهف جادو، “نصوص نثرية”

في ساعاتٍ كثيرةٍ من الليل أرى طيفكَ يلتفُّ حولي ليُخبرني أنكَ هنا ولن تذهبَ أيضاً، خيالاتٌ واسعة والشعورُ بكَ يحتضِنُني، لا يُفارقُ رُكنَ قلبي المُتحكّم بالأحلام والأوهام، ألتفتُ لأراك والشوقُ بتلقائيتي يتحول إلى التحامٍ لأجسادنا حتى أعتصركَ بين ذراعيّ، ومن ثم وبالتدريج تبتعد إلى حدّ الإختفاء، تباً لكَ هل تراني لعبةً بينَ يديك لتفعل ما فعلته؟!
أنا حقاً أكرهكَ وأكرهُ تلاعبكَ بروحي ومشاعري بهذا القدر، ها أنت الآن ترجع من الأبدِ الذي اختفيتَ فيه، لأرى يدايَ تُرحِّبُ بقدومِكَ من جديد وأقومُ بتقبيلِ وجنتكَ وفعل المعتادِ من شوقي لكَ.
كيفَ الحالْ؟! هل أنت بخير؟ هل اشتقتَ لي كما اشتقتُ أنا !؟
بالتأكيد اشتقت، فليس لنا أحدٌ سوا نحن، لِمَ أنت راحلٌ الآن؟ لَمْ أكتفي منكَ بعد، مازلتُ متعطشةً للحديثِ معك. لا بأس! رافقتكَ السلامة، ودّعتُهُ ذاكَ الوداع المعتاد، وانتظار الغدِ بعدَ نومٍ وإعادة سيناريو زيارةَ الطيف من جديد، وكلَّ يوم.
الساعة الآن الواحدة بعد منتصفِ الليل وأنا أنتظرُ منذُ ساعةٍ ولَم تأتي بعد، متعبٌ أنتَ لربّما أو أنكَ لا تزال منشغلاً بالقليل من الأعمال، سأنتظِركَ بعد، اقتربت الساعةُ من الرابعة فجراً، وهذه المرة أنت لم تأتي رغمَ انتظاري الطويل، صوتُ الباب يُدَقّ، هل أنتَ يا تُرى! لكنكَ تأخرت، لابأس فأنا سأفتح لكَ بابي دائما، والدتي الحنون ولستَ كما توقعت، تسألني ما أنتظره كل هذا الوقت لاُخبرها أنني بانتظاركَ لتقومَ هي بدوري بكسرِ أضلاعكَ حُباً، وأتحولُ أنا لأحتاج ذاكَ الحُضن، ودموعها أصبحت كالشلالِ تهطل، لا أعلمُ السبب لكنني بادلتُها فعلة عيناها، دقائق قليلة كانت كفيلة لأستغرق بنومٍ لطالما تمنيته، استيقظتُ بعد سباتٍ ولا أعلم ما هذا الشيء، حالةٌ من الصداعِ والإرهاق.
هممتُ لأتناولَ وجبةَ الإفطار بعدها التجوال بأماكن عديدة برفقةِ والدتي، فهم لايجعلوني أخرج وحدي خوفاً من القدوم إليك.
سآتي إليكَ ذاتَ يومٍ ونلتقي ياحبيبي، استوقفني مشهدٌ أكادُ أجزم أنهُ حصلَ معي أيضا، شابٌ وحبيبته مُمسكان بأيدي بعض ويغمران بعضهم بالحب، إلى أن تأتي سيارةٌ مسرعةٌ تتسبّبُ بحادثٍ أليم، إنهيارٌ أصاب الجميع والصرخاتُ تعلو في المكان الشابُ فقط من تأذى والفتاةُ بجانبهِ تحتضنهُ بحرقةٍ بصحبةِ الدماء، بكاءٌ يمتزج بصرخاتٍ راجيةً المساعدة من الله ومن ثم من حولها. ليأتي رجالُ الإسعافِ ويقوموا بإبعادها عنهُ وتغطيةِ وجههِ بقطعةٍ من القِماشِ معلنينَ ساعةَ الوفاة والدعاء بالمغفره له.
حالةٌ من اللاوعي هي سيدة الموقف، لترى الفتاة نفسها في المصحّات النفسية ويقوموا بحقنِها بالمهدئاتِ وينعتوها بالمريضة المُنفصمة، ومن ثم أمرها بالذهاب إلى المنزل فلا علاج لها، إنها أنا تلكَ الفتاةُ التي ينعتوها بالمنفصمة بعد فراقكَ وموتكَ أمام ناظري، لكنني معتادةٌ لُقياكَ ليلاً وكأنكَ هنا في هذه الحياة، فأنا مريضةُ انفصام بشوقٍ لمن لم يعد على قيد الحياة، لروحك السلام يا انفصامي.
مازلتُ بانتظار لقائنا ليلا

إقرأ أيضا:المكونات الاساسية لمستحضرات التجميل

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
تنهيدة تَأَوَّه، بقلم : سجود عبدالله ملكاوي، “نصوص نثرية”
التالي
كيدهُنَّ رحيق، بقلم : إسراء أبو علي، “مقال”

تعليق واحد

أضف تعليقا

  1. Unknown قال:

    ❤️?

اترك تعليقاً