مقالات ونصوص متنوعة

ضحية الثامنة والعشرون من ديسمبر ، بقلم: إحسان إدريس الشريف

بناءٌ كَبير يُغريك، تمتلئ عيناك عند النظر إليه، يشقُّ رأسك تفكيرًا وتساؤلات حوله، فضولٌ ينتابك، وشيء ما يُشعرك وكأنك تنتمي إليه!
يا تُرى ؟ ماذا يوجد في أحشاءه ؟
وبينما أنت منغمسٌ في تفكيرك، يقاطعك مشهد صادم لِأمٍّ تُلقي بفلذة كبدها أمامه، لتُصعق، ويصاب جسدكَ بقشعريرة، فما الذي يجبرها بأن ترمي جزءاً منها فالميتم!
هل الحياة قاسية للحد الذي يجعلها تضعه وتذهب؟، لتكمل بقية حياتها دون أن تفكر بابنها الذي رمته؟،
أم هل يشغل بالها التفكير بهذا قبل فعله؟
شردت عند رحيلي أفكر فلم أجد جوابًا لهذا لديّ، فحتى لو كان ذاك الميتم يأويهم، يطعمهم ويسقيهم، لكنه لا يستطيع أبدا أن يعوضهم حنان أمهاتهم وأمان أبائهم.
فكُل من يخرجْ من ذاك المكان يعي تماماً ماذا تعني الحياة، مصطدمًا بكافة عوائقها، ومتجاوزًا لها..
أفقت من شرودي لأجد نفسي اقترب من المشفى، فقد تأخرتُ عن موعد أخذ الجرعة كثيراً، رغم معرفتي بأن هذا شيء سيضرّني، كما أعرفُ تمامًا أن أيامي في هذه الدنيا قد باتت معدودة، لكنني سأستمر في علاجي لربما الله يشفيني، ففي هذه الحياة لا شيء مُستحيل ورحمة ربِّ تَسِع كُل شيء..
فلا أحد يعلم هل سَيستَمّر العلاج في تآكل جسدِي؟، أم أن مُعجزةً ما سوف تحدث لكي تجعلني استرجع حياتي.. خصلات شعري التي طالما أحببتها وسُلبتْ مني.
وفي غرفةٍ أخرى بعيدة عني حديث طويل سيحسم أمري..
– كونّي صديق عائلتكم، وطبيبها الخاص، أنصحكم بإخبارها الحقيقة، لأنه لم يعد لديها وقتٌ كافي لكي تُكمل ما تَبّقى من عُمرها وهى لا تعرف حقيقة حياتها..
ليعود الأمر إلى غرفتي من جديد..
فبجانبي يقف ذاك الرجل الذي لطالما دعوته بأبي وزوجته التي كانت أمي، ينظران نحوي بأسى وحزن، دون إشعاري بأن هذه لحظاتي الأخيره، لقد أحبّاني حقا رغم أنني لست من دمهما..
فرغم إمتلاكهم لكل شيء، إلا أنهم كانوا يفتقرون للأهم وهى القُدرة على إنجاب أطفال، فكُلّ ماكان لديهم لم يهمهم بقدر وجود طفل يملأ حياتهم، ذاك الطفل الذي تم الاستغناء عنهُ بِكل دمٍّ بارد في العديد من المرات، ذاك الطفل الذي يعد ضحية لمشاعركم، ذاك الطفل الذي لن يسامحكم في يوم، وأنا ايضًا لن أفعل..
َ( تم تنفيذ كلام الطبيب فقبل فُقدانها بدقائق همسوا لها بأنها كانت ضحية أيضاً وهكذا رحلت وهى تعرف حقيقة وجودها ).
ليبيا

إقرأ أيضا:نص بعنوان شفيع الأمة بقلم ريم يوسف الشايب

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
كانت مجرد مكيدة، بقلم : رشا وليد السبيعات ” نصوص نثرية ”
التالي
جدّي، “النص الفائز بمسابقة احتواء”، بقلم: رهف المومني، “نصوص نثرية”

اترك تعليقاً