جدّي
في مكانٍ بَعيدٍ بُعدَ السْماءِ عن الأَرض، لا أعرِفهُ ولا ألمَحُ طَرِيقَهُ، تَرقُد روحَهُ.
كأنما ارتَطَمَ بي جِدارٌ مِن الإسفَلتِ، صَرَختُ مُناديةً “جَدّي” تَلمَستُ جَسَدَه، كَانَ كَلوحِ الثَلجِ مُتَصَلبَةٌ عُروقهُ، نَظرتُ حَولي وهِمتُ بجَسَده الغَض، غَارِقًا بِبُحورٍ منَ النَدم، هائِمًا بِسَماواتٍ منَ العَذاب، نازَعتّني نَفسي إليّه، أدرَكتُ مَرارَةَ الرَغبَةٍ بِالأعتِذار، أدرَكتُ مَرارَةَ عَدَمِ القُدرةِ على تَحقِيقِ هذِهِ الرَغبَّة.
لماذا يَموتُ الأحِبّاءُ ونَحنُ عنهم بَعيدون؟
لماذا حينَ يُفارِقونا لا يُخبِرُونا أنَّ هذا آخِرُ لقاءٍ لنتَزود منهم؟ يَموتُونَ ونِحنُ نَحمِلُهم داخِلنا، فتَتَمزّقُ أرواحُنا منَ الشوقِ لهُم.
للأَمواتِ حَنينٌ قاتِلٌ لا تَرويهِ عِباراتٌ ولا تَملَئهُ فَراغَات، ما زِلتَ مَعنا إِلا في واقِعِنا، قَبَّلتُ جَبِينَهُ وتَوسَلتُ لِرُوحِهِ أن تَعُود، ولكِنَهُ كانَ صامِتاً حتى دُفِن.
كانَ يَزرَعُ اليَاسَمينَ أينما حَلَّ وهو أصلُه، كانَ جَمِيلاً للحَدِّ الذي جَعَلَ الأَرضَ عَاجِزَةً عن حَملِهِ فَخَبأَتهُ دَاخِلَها.
فلكَ حُبٌّ قبلَ الرَحِيلِ لا يُحْكَى، ولكَ شَوقٌ بَعدَ الَرَحيلِ لا يُكتَب.
#رهف_المومني.
Comments
0 comments