مقالات ونصوص متنوعة

عادات سيئة، بقلم : ذكرى بسام الزغول ” نصوص نثرية ”

عادات سيّئة.
    جالسةً كما عادتي السيّئة لا أفكّر بشيءٍ سوى الانتحار، أفكارٌ تأخذني لبعيد، لطريقٍ لا رجعةً منه لعالمٍ مظلم، أسود خالي من الرحمةِ والرأفة، أشعر وكأنّي لم أولد بعد لم أذُق طعم السعادة لم أنبسُ ببنت شفه لم أرتوي من…
لم أرتوي من ماذا؟ ما هو الشيء الّذي ينقصُني، لِم شعور الضياعِ يلازمُني أينما ذهبت؟ صدقًا لا أعلم أنا أضيع أفقد نفسي.
جالسةً أفكرُ بمستقبلٍ لن يكونَ بخير، مستقبلًا ليس مشرقًا كما تخيّلته بصِغري، ليست أحلامي، ليست آمالي، ليسَ عقلي ولا ثقافتي ليستْ أفكاري، لستُ أنا، لم أعُد كسابقِ عهدي تألمتُ كثيرًا ذقتُ من الحزنِ ما يكفي لكونٍ كامل ولا أمل لي بالسعادة، أخبَروني بأنّ السعادة اختيار ولكنّي في كل مرةٍ أُحاول اختيارها تنفُرُ مني وكأنها تحملُ حقدًا كبيرًا تجاهي كأنني قتلتُ لها عزيزًا، وكأنّما حلَفتْ بألّا تُريني إياها لحظةً واحدة.
جالسةً فوقَ فراشي الذي اهترء من كثرة نومي أو من قلّة نشاطي وحركتي، قلّة حيلتي، لم أقُم عنهُ منذ ثلاثة أيام أتظاهر بالنوم والغفيان ولكني واللهِ وبكسرِ الهاءِ لا تغمضُ لي عينٌ قط، لا أقدرُ حتى على النومِ من فرطِ الألم الذي أشعر به، تآكل جسدي و ملّت مني دمعتي التي ذرفتُها لأسبابٍ عِدّة منها ما هو تافهٌ ولا يستحقُ حتى أن أفكِّر به، ومنها ما هو مؤلمٌ للحدّ الذي يجعلُ قلبي يتصدّعُ من الألم،
أعتقدُ أنكم تفكرون الآن خلال قرائتكم لهذه الكلمات أنّي أُبالغُ بالوصفِ نوعاً ما ولكن، ولكن ماذا؟
أتعلمون أمرًا أفتقدُ أيامي الماضية أفتقدُ لنفسي ولفِكري لعقلي ولتفاهتي القديمة، ليتها تعود تلكَ العقليّةُ المحدودة ليتني أعود قليلًا للوراءِ بلا ثقافةٍ ولا تفكير بلا معارف ولا أُناسٍ جارحون لا يشعرون بشيء، أينَ ذهبت رغبتي في نقدِ كلُّ ما تراهُ عيناي؟
ما هذا الإنطفاءُ يا الله! ما هذا الألمُ يا الله! ما هذه الوحدةُ التي أعيشُها، كثُر من هُم حولي ولكنّي لا أشعر بأحدْ لا أراهُم يحترقونَ على حالي وحُزني لا أراهُم يتقاتلون على التخفيفِ عن قلبي كما كانوا يفعلون أصدقائي سابقًا ما كلُّ هذه الوحدة؟ لمَ وصلتُ لهنا، ما الذي جعلني أعيشُ بهذا الحال، وجعلني أشعر بهذه المشاعر؟
من أنا، لمَ أجلسُ هنا، ما هذه الأفكارُ التي تتولّد داخل عقلي الصغير؟ آه يا جسدي من أين أتى كلّ هذا التعب؟ بماذا كنت أفكّر؟ من كُنتُ أُكلِّم؟ متى غفوتُ هُنا؟ من أينَ أتى هذا الصُداع الشديد؟
هذا حالي بعد صحوتي بثوانٍ قليلة يكونُ حالي أشبهَ بمن فقد ذاكرتهُ ولا أملَ لعودتها أبداً، أتمنى بعد أن ترجع ذاكرتي بثوانٍ بألّا تعود، أتمنى لو أنّي أفقدها للأبد كأنّني وُلدتُ من جديد، دون ذكريات، دون ألم، دون علاقات، لأبني نفسي من جديد لأُصحّح تلك الأخطاء، كي لا أبقَ وحيداً ها هُنا بهذه الحياةِ الفانية، أتسائل هل هُم فرحون من فقدوا ذاكرتهم؟ هل يشعرون بذاك الشعور الذي أتخيّله؟ اوه يا إلهي إنه شعورٌ رائع، ليتَها تذهبُ عنّي،ليتها تسأمُ منّي.
آه نسيت هناك سؤالٌ آخر، بمَ يشعرُ المنتحر، ذاك الذي قرّر إنهاء حياته بلحظةٍ لا يشعر بنفسه كيف يفعلها، كيف يشعر بعد أن يلقى الإله؟ هل هوَ راضٍ عن فِعلتهِ أم أنّهُ نادمٌ على ما فعل؟ ليتَ لواحدٍ منهم يعود ويُخبرُنا عمّا تلقاهُ هُناك حيث القبر والعتمةِ والحِساب، سمِعنا كثيراً عن عذابِ القبر وعذابِ المنتحر بشكلٍ خاص.
   أوّدُ وبشدةٍ أن يموت ما بداخلي وأرغبُ بالموتْ، أنا حقاً أتمنى لو ألقى إلهي، ولكن ماذا، أخافُ أن أكونَ مُقصّرًا بعبادتي، أخافُ أن ألقى جحيمًا بقبري، أخافُ من عذابِ ربي الذي أخبرني عنه بقوله تعالى:{إنَّ اللهَ شديدُ العِقابْ}، ولكن أعودُ لأتذكّر قولِهِ تعالى:{إنَّ اللهَ غفورٌ رَحيمْ} وأعودُ لأُخبر ذاتي بأنّهُ لن يغفرَ ليَ انتحاري، يغفر الذنوب ويتغاضى كثيرًا ولكن لا أعتقدُ أنّهُ سيغفرُ لمُنتحر! لذلك ها أنا هُنا أفعلُ عاداتي السّيئة أجلسُ هُنا وهُناك أتظاهرُ بالنومِ كثيراً لا أتوقفُ عن التفكيرِ بكلّ شيء؛ منها ما ضاع وما سيضيعُ من عمري وأحلامي، لا أرَ أمامي سوى عتمةً مُريعة، لا أملَ لي بالحياة فقدتُ إحساسي بكلِ شيءٍ تعتقدونَ بأنّهُ جميل.
ذكرى بسام الزغول..
الأردن..

إقرأ أيضا:اجمل بلد عربي

.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
لم أعد وحيداً ، بقلم: فتون حسام الطير
التالي
لقد هلكت، بقلم: مريم عبد الرزاق البغدادي

اترك تعليقاً