مقالات ونصوص متنوعة

نص نثري بعنوان كلُّ شيء يزعجني بقلم مريم عنتري

اتكأت على نافذة الحافلة لأغفو إلى أن أصل
لكن وجود طفل عند الإشارة تحت زخات المطر ليبيع ورق المناديل أزعجني جدا،
سارت بنا الحافلة لأجد امرأة تقاوم البرد القاسي وهي تنفث زفيرها في راحة يديها، وأمامها صناديق من الخسّ والجرجير وغيره، وكانت عيناها تتمنّى من جميع الماريّن الشراء منها.
مضت بنا الحافلة لمحطة كادت أشجارها أن تقلع والغيث يغرّق شوارعها، لفت انتباهي أب أسقى الغيث جسده وهو يحمل مظلّة خوفا من أن يبتلّ شعر صغيره.
يا إلهي يبدو أنّ هناك متسوّلة ورضيعها بأحضانها في هذا البرد! تبكي وكأنّها تتضرّع للحافلات والمارّة..
اتجهت بنا الحافلة لشوارع أخرى، لأرى فيها حفيدا يمسك بيد جدّه أمام الصيدلية، ثمّ عرّى رقبته من الوشاح، وطوّق به رقبة جدّه وأكتافه، سقطت منّي دمعة سهوا، مسحتها وقلت من الأفضلِ أن أنظر إلى الركّاب بما أنّني أريد النسيان..
آه، طفلة تنام وهي تغمر حضن أمّها، وعجوز ينظر إلى يديه التي ترتجف وكأنه مصاب بمرض ما، لكن ابنه بجانبه يتكئ على كتف أبيه، وفي المقعد الرابع شاب يقرأ الجريدة، ويبدو أنّه منزعج من أمر ما، له كلّ الحق، هذه البلد تحطِّم كلّ الآمال.
أمّا المقعد السادس من اليمين تجلس فتاة تتكلّم بالهاتف وتبتسم بشدّة، يا تُرى هل تتكلّم مع الحُبّ؟
على سيرة الحُبّ يوجد رجل يفيض منه الارتباك وهو يلتفت إلى كلّ الجهات، وفي يديه عروسة أطفال ووردة حمراء، أظنّ أنّها لزوجته وبقي يشمُ رائحتها ويضحك بقوّة، وعيناه تتراقص فرحا، ضحكت لتقع عينايّ على عجوز تبكي بصمت، ويبدو أنّها تمسك صورة، تنهد بجانبي شاب بألم، نظرت إليه بطمأنينة فابتسمنا لبعضنا، فإذا به يسألني متلهفا: هل وقع قلبك؟ ملامحي تكفلّت أنّني لم أفهم، فضحك موضّحا: أقصد أعزب أم متزوج؟ أجبته: متزوج، قال لي بمُزاح هو ومن على يمينه: هنيئا لك يا عمّ، وهما يتلهفان على سيرة الزواج. تبسمت لهما، ثمّ سألني من بجواره: أَتَسكن عند أهلك؟ أومأت لهم بنعم وأكملت: وأرجعُ كلّ يوم للبيت لأمزّق شراييني من مشاجرات أمي وزوجتي على أعمال البيت، ومشاجرات أولادي على لعبة القطن يخرج منها. وإذا بالفَتَيان يرددان مجددا: هنيئا هنيئا على قلبك. ضحكنا بقوة إلى أن خانتني دمعتان مجددا، وجميع من بالحافلة نظروا إلينا وتبسمّوا على هستيريا الضحك التي أصابت ثلاثتنا.
أخيرا، تفوّه سائق الحافلة: لقد وصلنا، قبل أن ينزل الفتى الذي بجواري قدّم لي حبّة حلوى، وقال بضحكة: مجنون،
سرت إلى منزلي وأنا ابتسم، فتحت الباب ودخلت لأجد نفسي بين جدران البيت الباردة، ورائحة الأحباب المفقودة، نعم، أنا مجنون، لكنّ مجنون من وحدتي، جنّت روحي من وفاة والدايّ، وجنّت عروقي لعدم قبولي من فتاة أحببتها سرا وقتلتني جهرا، جنَ جسدي عندما قال لي الطبيب: أنت عقيم، أنا هنا وكلّ شيء يزعجني.
تعابير الأوجه تخفي براكين من الحقائق.

إقرأ أيضا:خاطرة بقلم تسنيم محمد سلامة.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بعنوان شتات العروبة بقلم رنا محمد الصعابنة
التالي
نص نثري بعنوان اضطهاد بقلم فاطمة الخطيب

اترك تعليقاً