مقالات ونصوص متنوعة

نص نثري بقلم سماح إمحمد المُصلح

مُنذ أن وُلدت، اختارت لها أمَّها اسمًا جميلاً يُتوَّجُ على ضِفافِ أنهار الحياة، أظُنها قد أضافت على روحها طعمًا آخر للحياة، فرمقتها بنظرةٍ توحي بأنها انتصرت بها؛ فعانقتها وضمّتها على صدرها بقوة، ثم قبّلت رأسها بحنان، ومنذ ذلك الوقت، باتت تُذكّرها بأنها ستكون “مُميّزة” وأنها الإبنة الصالحة بهذا المكانِ والزمان وكأنَّ كلامُها نخرَ عظامُها نخرًا، فبدت تحاول جاهِدةً أن تومضُ النور بتلك الروح من آنٍ لآخر…. إلى أن شبَّت بما عهدتهُ عليه أمها بِخطى واثقة، ترى في ملامحها الهدوء والتفاؤل، وتنجذبُ إليها من أطرافِ كلامها، ويتراقصُ في ذهنها الكثير من الأفكار الغريبة التي تنوي الفتاة أن تقومَ بها، وتحقَّق بها أهدافها النبيلة، كانت طموحةبِشغف، مليئة بحيويةً ونشاط رهيبين، كانت تُحاربُ نفسها وتتلألئ، لتُضيء عتمةً ما بهذا الكون الغريب؛ أظُنُّها نُسخةً مُطابقة لِروحِ أمها ولو أنني لم أُراهن على ذلك، سنتأكد حتمًا من ذلك بعد حين، على حينِ غفلةٍ، كبُرت الفتاة ودخلت عُمرها العشرين في رمشةِ عين، وبدأت بتحقيق حُلم والديها بدخولها إلى كليَّة الطب البشري، كانت تشعر بعبئ المسؤولية على عاتقيها، فتقوقعت واتخذت مجراها للدراسةِ بكل عزم ولاشك في ذلك الوقت كانت أمها الشُعلة التي تُضيء طريقها، مضت السنين من العُمر وهاهي الآن في طريقها لتحقيق ذاكَ الحُلم ثم فجأةً، وبشكلٍ غير متوقع مرِضت الأم وترجرجت الدموع في مقلتيْ إبنتها التي لطالما كانت رفيقتها في هذا الأمر العصيّ، بدت الأم وكأنها ترى الموت في أي وقت سيكون لا محالة منه، ثم في ذاك اليوم الذي دخلت فيه إلى المُستشفى، كانت الأم حينها طريحة الفِراش، كانت ترمُق إبنتها المليئة بالحب والتفاؤل لها، دمعت عيناها حُزنًا ولكنها تشبّثت بالدعاء ولم تُهمهم بالكلام، رانَ عليهنَّ الصمتُ للحظات، إلى أن بدت الفتاة تدبُ الأمل والبشائر لأمها كانت أمِها تومئ لها برأسِها دونَ جدوى من الكلام، ثم أنها حدّقت بإبنتها وقالت: كم بقى لكِ على التخرُج يا بُنيتي؟ فأجابت الفتاة: أربع سِنين يا أمّاه. أومأت الأم برأسِها مرةً أُخرى وكأنها أدركت للتو، أنها لم تشهد هذا الحفل بعينيها بل بروحها، دخل عليهما الطبيب فجأةً، وبدأت تستفسر منه عن حالة أمها، كانت قد أعدّت بعض الأسئلة في دماغها لتطرحُها عليه، ولو أنها لم تنتبه تجنبه الحديث معها في ذلك الوقت، وأنه على علم بأنه لاشِفاء لحالة أمها، إلا أنها كانت مُتفائلة في ذاك الحين ولم تستسغ أمر الموت أو تُفكر به حتى!!… في الصباح الباكر استيقظت الفتاة على صوت أمها التي كانت تشهق وكأنَّ روحها ستخرج، أسرعت مُناديةً على المُمرضة لتُسعف أمها، وبالفعل ركّبت لها جهاز التنفس ثم تأكدت من نبضها ولله الحمد هي على قيد الحياة وتتنفس، بدت لها أنها ارتاحت ونامت، فرجعت لفراشها لتُكمل نومها فقد أرهقها بُعد المسافة والصيام طوال الأمس…. استيقظت فجأةً ولكن هذه المرة ليس على صوت أمها بل على صوت عاملة النظافة التي قد دخلت للغرفة تُنظفها، وبعد أن ذهبت العاملة رجعت الفتاة لتطمئن على أمها، لمِست يدها اليُسرى لتتحسس نبضها ولكنها لم تشعر بالنبض، انهارت الدموع من عينيها وتشبثت بالأرض، كادت أن تنهار فلم تتخيّل يومًا ما بأنها ستعيش من دون أمها، شعرت بالوحدة وكأن جبال الاندُلس كلها وقعت على رأسها ولكنه القضاء والقدر، وفجأةً بعد أن رأت أخوتها يتحولُ كل شيءٍ داخلها من ضعفٍ إلى قوة، من فقدان الأمل واليأس إلى روحِ التفاؤل وأنها من هذه اللحظة أصبحت الأم الحنون لأخوتها وأنها “المُميّزة” التي لطالما زرِعتها أمها في نفسها وكانت دائمًا تطربُ بها على مسامِعها، فجأةً تغيّر كل شيءٍ في حياتها بعد أن لملمت شِتاتَ روحها وكأنها لم تتزعزع يومًا ما….

إقرأ أيضا:لستُ مريضًا نفسيًا، بقلم: الاء عماد قطيشات

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلم لورين فوزي حسن
التالي
نص نثري يقلم الهام سليمان محمد

اترك تعليقاً