مقالات ونصوص متنوعة

فؤادي وحياتي،بقلم:ديانا علي حنيحن

فؤادي وحياتي وحيوتي قد فقدتها منذ ذاك اليوم المشؤوم الذي قصف فيه الاحتلال سكني وسكينتي ،كنت قد فقدت حذائي المرقع و سترتي الصوفية الوحيدة ذات اللون الباهت من كثرة الاستخدام، حتى أبسط ممتلكاتي كنت قد فقدتها ولم اجد لها اي اثرٍ يذكر،لم يبقى لي شيء في هذه الحياة سوى حجارة مهدمة وملابس ممزقة تحت بيتي المهدّم ،وأشلاء من جثث أخوتي وأمي، رغبت في ترتيبها لكني لم اجد لاصقاً للاعضاء البشرية،لم يبقى لي شيء في هذا العالم سوى أب أبكي على كتفيه ،ألجئ إلى حضنه الدافئ، فما تركت لي هذه الحياة سواه، هو ذاك الرجل الذي بألف جبل شامخ ،تلقينا خبر قصف بيتنا بصوت كصاعقة في عاصفة شهر يونيو، تضرب كل من هب ودب ،تلقيناه أنا ووالدي ونحن في مستشفى الامراض القلبية لتلقي موعد العملية التي ستجرى لأبي ، فما كان من المحتل الا ان يتم الحزن ووضع ملحاً على الجرح كعادته بقصف بيتنا ،لم يخبرنا اي من الناس بهذا الخبر ،صوت الصاروخ الذي كان يدوي في السماء أخبرنا بذلك ،أخبرنا بنِيته ومبتغاه، اخبرنا انه هو المقصود… بيتنا… بيتي لم يعد لي شيء بهذا الكون يستحق العناء او الكفاح من أجله ،أضلاعي كانها كسرت من الداخل ويداي وقدماي قد قيدتا باغلال لا تفل حتى بالحديد لم يعد بوسعي أن أفعل شيئاً ،فما باليد حيلة الا الدعاء ولا يوجد حل غير الاستجابة ،لم يكن الأمر سهلاً لاعادة ترميم وبناء حياة جديدة من بدايتها ، كان الامر صعبا كصعوبة تحميع اشلاء امي، التفكير بما سنفعل مرهق والعمل أشد إرهاقاً فمن يفقد أبسط حقوقه بالعيش داخل بيت كمن يفقد كرامته ،كمن يفقد نفسه ،أنا الآن لا أبحث عن بيت بقدر بحثي عن نفسي عن كياني وكينونتي،وشخصي …نعم أنا أبحث عن نفسي في أيام لا يوجد مع نفسي سوى ذاتي ،أبحث عن قلبي ،أبحث عن عقلي ،أبحث عن كلي ،أيامي بكل دقائقها وثوانيها ضياع وتشريد في صباح يوم الجمعة الذي كان من المفترض بمثل هذه الساعة أساعد أمي بإعداد طعام الغداء ،أما أنا الآن أقوم بنقل المياه من قرية لأخرى لنتمكن من العيش ، وبعدها اذهب لاسقي قبور العائلة، نعم لقد دفنتهم بعد فقداني امل استرجاعهم، فمرة يُحمل الدلو بيداي ،ومرة يٌحمل على ظهري ،رأيتُك عائداً لبيتك وحاملا في يديك خبراً وسكاكر ، تمنيت في هذه اللحظة لو أحظى بمثلها ،بالرغم من معيشتي في العشرينات الا أني لم أذق طعم الطفولة يوماً ، ذقت المر ،وتناولت الألم ،وشربت الحسرة والوجع ،ولعبت بأطلال البيوت المهدمة ،لم تكن طفولتي طفولة تستحق الحب او استرجاع الذكريات ،نظرتُ لي بنظرة عطف ولكني خجلت من ملابسي المتسخة الذي مرّ شهرين ولم تلمسهما الماء قط ، فذهبت مسرعة للخيمة ،فشاب مثلك كيف سينظر لفتاة بكنزة ممزقة وبنطال لعمر جدتها ، ذهابي لإحضار الماء أصبح عادة كل يوم عند الظهيرة أذهب وأجلبها لإعداد ما تيسر من الطعام ،فهذه المرة الثانية الذي ألتقي بها بك ولكنك لم تكن آتياً من عملك ..كنت جالساً بملابس مهندمة على الصخرة وتنظر لمن يذهب ويجيء ،مرت الأيام وتوالت ،وأصبح تواجدك في طريقي شغلك الشاغل ،ولكن بداخلي هواجس وصوت خافت يقول لي من سينظر لفتاة بخيمة وبملابس متسخة ،في ذات يوم أثناء عودتي من جلب الماء اعترض طريقي ذاك الشاب واوقفني وسألني عدة أسئلة اعتيادية كمحاولة للتعارف والتقرب ،ولكني لذذت بالفرار ،أصابني خوف من ذاك رغماً عن حبي المكنون له ومشاعري المخبئة ،اصبحت اذهب قبل الموعد المحدد لتفاديه ،ولكنه كان متواجداً دائما ،واعترضني هذه المرة وسألني ما اسمك ؟ ارجوك …،ألم تلاحظي وجودي دائما بسببك ،ألم تلحظي أنني أراقبك أينما تذهبي ،ألم تشعري أن قلبي مهيّم بك ثم صمت ،لم أستطع في هذا الأثناء النطق ولو ببنت شفة ،حتى لم أستطع التحرك من مكاني ،فما رأيت سوى دقات قلبي تتضارب ويداي تتشابكان واحمرت وجنتياي ،قال ألا تريدي أن تجيبي بشيء؟ …اغرب عن وجهي ما هذا الهراء ،وامسكت بالدلوين وذهبت مسرعة مذعورة للخيمة، شعرت حينها بتانيب الضمير، ربما لانني لم اعطه فرصة او لانني لم اشفق على نفسي واعطيها هي الفرصة، فرصة لمحاولة العيش على الاقل عيشة قلبي، لانني لم اسمح لها بان تحيا مرة أخرى، اصريت على جعلها مثل ركام بيتنا… تفكير مستمر ،شرود ذهن ،هذا ما أصابني بعد كلماته ،في اليوم التالي لم أذهب لجلب الماء فقد تبقى لدينا ما يكفي ليوم غد ،خرجت لأجلس أمام الخيمة وشاردة الذهن به ،فإذا به يبعد خمسة أمتار عن الخيمة وعيناه لا تتوقف عن النظر المستمر ، رأيته يتقدم نحوي ،فدخلت بداخل الخيمة وأبعدت نظري عنه، كمن يحاول تبرئة نفسه من فعلٍ ما في يوم غد ذهبت كعادتي وفي هذا اليوم لم يكن وجوده عادياً ولم يكن لقائه كأي مرة ،اعترض طريقي اثناء ذهابي وامسك بيدي واخذني تحت شجرة بعيدة عن انظار اهل القريتين ،جلس إلي متوسلاً ،أرجوك يا جميلة احبيني كما أحبك ،لا تجعلي قلبي يتألم لوحده ،لا تجعليه يحترق ألماً أرجوك اقبلي بذلك وسآتي مذ غداً لطلب يديك ،أجبته وبحرقة قوية لم أعهدها من قبل ..لماذا تحبني ما الذي فعلته من اجلك لتحبني ،انا فتاة ليس لها في الحياة سوى أب وكفاحٍ لاجل لقمة عيش ..انا فتاة الحياة لم تحبها فكيف أنت تحبني ،انا لا استحق الحب ،لاني لم ار الحب يوما، الوحيدة التي جعلتني اشعر بانني كيان هي امي والان هس اسفل التربة…ارجوك ابتعد عن طريقي ،…لا لن ابتعد انا مغرم بك وانتِ تعلمي ذلك ،وانتِ مغرمة بي أيضا لمعة عيناك تقول ذلك ،الحب حياة يا عزيزتي ،والحياة امل،ولربما مررتي بخيبات عدة ولكن أنا الآن أملكك انتي مثلما قلبي ملكك أنتي ،لا أعلم ما الذي حصل لي وحضنته وبكيت على صدره وكأنني أعرفه مذ زمن ،توالت الأيام وأصبح يكبر ذاك الحب بالاهتمام ،…فقدت الأمل بعيش حياة كباقي الفتيات ولكن جبر الله أعظم والأمل الذي يمنحنها اياه اجمل ،فهو كان كقبس في ظلمات في بحر لجي ،كالقمر في صحراء ،كالوردة بين الشوك، كان مثل حب ماريوس وكوزيت نبع من وسط الظلام!

إقرأ أيضا:

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
عواصف داخلية،بقلم:راما اليازوري.
التالي
عظمة الامل،بقلم:هبة علي شدود

اترك تعليقاً