مقالات ونصوص متنوعة

إلى مهاجر بقلم : سارة عبد الفتاح

الرسالة الأولى

أما قبل .. فإني أراك في كلِ الوجوه كأن الجميع استحال أنتَ ، كأنما خلت الأرضُ إلا منك ، و كأن قلبي لم يُخلق إلا لتسكنه وحدك .
أما بعد .. فإنني لا أريد الحديث معك لكنني أنتظر منك رسالة !! و لا أدري إن كان هذا يُعد تناقضاً لكنني حقاً و منذ ليلةِ رحيلك المشؤومة تلك لا أدري أي ردات الفعل أختار !! لكنني حتماً لا أستطيع التغاضي عن ضجيج قلبٍ لا ينفكُ يسألني عنك .
كتبت لي في تلك الليلة ” اليوم سأغادر مع صديقي أحمد ادعي لي أن تجري الرياح كما تشتهي سفينتي ” أدركت حينها أنك أقدمت على تلك الحماقه ، و أنك اقتنعت بما قاله صديقك الغبي ذاك ، و أنك ستهاجر اليوم في قوارب الموت حتى شواطيء إيطاليا !!
أتعلم أنني كُنت في حيرةٍ من أمري حين تلقيت كلماتك ، كنتُ سآتي إليك و أسألك ما أفعل ؟! لكنكَ الآن بتَ رقماً في إحصائيات كثيرة ، عدداً لا يدري العالم أي التصنيفات يضعه ، ضحيةً كُنتَ أم جاني !!! لقد بتَ ثاني الإحتمالان بالنسبة لي .

لا أعرف إن كُنت ستقرأ كلماتي ، لكنني أدعو أن تكون بخير .

الرسالة الثانية
تحيه و بعد ..

إقرأ أيضا:أعراض فرط كالسيوم الدم

إنه اليوم الثالث لغيابك ، أدرك الجميع إختفائك و علِم بعضهم بأمر هِجرتك ، كُلٌ يعطي رأيه و كُلٌ يُلقي بأَحكامه ، عبثاً أحاول عدم الإكتراث ، أن لا أُظهِرَ على ملامحي أي ردةَ فِعل ، و عبثاً يوقعني لفظهم لاسمك ، و لا أدري تلك العلاقة بين اسماء من نُحب و ارتباك نبضاتنا ، حتى إننا نلتفت قبلهم لمن ينطق اسماءهم ، حتى إننا نشعر بالمودة مع كُل من يمتلك ذات الاسم ، كأنه بات شيفرةً لإرباك قلوبنا .

حينما أخبرتني أول مره حول ما ترنو إليه ، اعتقدت أنكَ تمزح و ضحكتُ ملأ شدقي ، و حين استشعرت جدّيتك ، قُلتُ لك : ماذا لو لم تنجو ؟
أجبت : ماذا لو أنني نجوت !!
قُلتُ بنفور : ماذا سيحدث ؟
فأردفتَ مُتحمساً : سأجد عملاً مناسباً و أجمعُ الكثير من المال ، و أخذتَ تلعنُ حياتك هنا و تشتمُ كُل من عاث فساداً في البلاد ، سكنَ صوتك قليلاً حينما نظرت في عيناي المعلقتان في ملامح وجهك ، و قلت ” لن أستطيع أن أعدك بشيء ، أود كثيراً أن أحارب لنيلك لكنني رُغم هذا أقف في صفوف المستسلمين و أريدك ، فقط أريدك و لا أجد لإمتلاكك سبيلاً ”
أردت كثيراً أن أغيّر رأيه و أثنيه عما سيفعل ، أردتُ أن أخبره أنه بصدد حربٍ أكبر ، فلا أقسى من تلك الحروب التي نخوضها ضد شعورنا ، و لا أثقل من تلك القرارات التي نُصمِت فيها صوت قلوبنا ، و لا أمرّ من تلك اللحظات التي نُشيح فيها بوجهنا عن ما رغبته نفوسنا !! لكنني لم أفعل ، و اكتفيت بالصمت و ادعيت التفهم ، ذلك ما أجدتُ فعله هذه الأيام ” محاولة التفهم ” !!

إقرأ أيضا:أنا أحلم بقلم: محمود الخميس “نص نثري”

لا أدري لما أكتُب لك ، رُبما لأنني أنتظر أن يأتيني منك رداً يطمئني ، و رُبما لأنني اعتدتُ الحديثَ معك و لا أجد وسيلةٍ لمحادثتك الآن غير الكتابة .

الرسالة الثالثة
السلام عليك ، ثم على قلبك من أن يصيبه أي مكروه فيصيبني أضعافه .

أتعلم استيقظتُ اليوم و قُلت لنفسي ” ربما لم يكن شراً لكِنهُ حتماً لم يكُن خيراً لي ”

أحاول بتلكَ القناعة أن أتمكن من تجاوزك !!
لقد فعلت هذا مُسبقاً مع كُلِ أشيائي التي أردتُها بشدّه و لم أستطيع الحصول عليها ، ذلك كان ديدني مع كلِ الأمور التي هُزمت بخسارتها ، اعتدتُ أن أردد بداخلي أن الله يُخبأ لي ما هو أجمل ، حتى أُصبح على تمامِ الإقتناع بذلك .
رُبما لم تكُن شراً فقد استطعتُ في وجودك أن أتجاوز ظروفاً كثيرة ما كُنت أستطيع تجاوزها دونك ، أحببتُ كثيراً إحساس السعادة المؤقتة التي حظيتُ بها معك ، نعم تغيرتَ أنت .. لكن تلك اللحظات ظلّت في ذاكرتي كما هي و لم ينهُشها غيابك ، لكنك حقاً لم تكن خيراً لي ، و رُبما كان علي إدراك ذلكَ قبلاً ، ما كان علي الإنتظار حتى تصلني رسالتك ، ما كان علي التعمق بك أكثر ، ما كان علي أن أبني سُقوفَ أمالي فوق أعمدةِ حُبٍ مُهترئةٍ ، وقعت حينما أغرتك الهجرة من البلاد و نادتكَ ” قواربُ الموت ” !!
بالمناسبة لم أعد أفكر فيك كثيراً ، أنا فقط لا أفارق نشرات الأخبار بحثاً عن خبرٍ عنك ، بل إنني أتابع كُل صفحات العاجل و الأنباء المهمة على فيسبوك أفتش عن أي منشور يتحدث عنك ، أنا حقاً لم أعد أكترث لك !؟

إقرأ أيضا:لماذا سميت عسير بهذا الاسم

أكتبُ لك في مقهانا الذي الذي تُحب و صوت فيروز يصدح قربي ” اندهلو و ما عم يسمعني
من يومتها ما عاد شفتو .. ضاع شادي ”
فينقبض قلبي بشده كأنما قصدتك أنت ، و أغادر المكان و صوتُ غنائها يلاحقني ” و أنا صرت أكبر و شادي بعدو صغير عم يلعب بالتلج ”

الرسالة الرابعة
مرحباً .. بميم المُشتاق ، راء الرجاء ، حاءِ الحنين ، و ألف الإنتظار !!

تمطر السّماء بغزارةٍ في الخارج ، و لأول مره لا أبتهج بسُقوط المطر ، أخشى أن ترتفع حولك الأمواج ، فتبتلع قواربكم و تغرقُ روحي !!
كان لقاؤنا الأول تحت المطر ، كُنتَ تقف في محطة إنتظار الحافلات تخشى الإبتلال ، ترتدي معطفاً جلدياً أسود و شالاً من الصوف ، حين دلفتُ أنا أحمل في يدي مذكراتي الجامعيه ، ألقيتُ التحية دون النظر إليك و تبعني صوتُ هاتفي الذي بدأ بالرنين ، كُنتُ أحاول إخراجه من الحقيبه فتناثرت مني الأوراق و أخذتها الرياح ، فابتل بعضها و ضاع مني بعضها الآخر ، هممتَ تُساعدني فجمعت معي ما سقط ، ثم جاء الباص فناولتني أوراقي مسرعاً و دون أن تُلاحظ كُنتَ قد أخذتَ قلبي !!

المؤسف أنك لم تُدرك حين قررت الرحيل كم الخيبه الذي ستُلحقه بشخصٍ راهن الجميع عليك ، ففازت ظنونهم و هُزمَ قلبه !!
لم تُدرك معنى أن تختارك فتاة مترددة و تُصبح أنتَ كُل
يقينها ، أن تحبك فتاة عنيده و تصبح وحدك طاعتها ، لم تدرك و لن تدرك كل هذا !!

بالمناسبة رأيتكَ اليوم في منامي ، و لأول مره أتمنى أن لا أستيقظ .

الرسالة الخامسة
بعد التحيه

قد مر أسبوعٌ كامل علي غيابك ، إنني بخير أم أنني أحاول أن أكون كذلك .

من المفترض أن تصل اليوم ، و لأنك على يقين من أنك ستصل ، دعنا نعقد هدنة ، دعنا لا نكونُ في الفِراق مثلُ البقية ، فلا تدّعي السعادة في حساباتك الشخصية لتستفزني ، و لا تحاول إخباري في كل ما تقوم بنشره بأنك في أفضل حال دوني ، جديّاً لا تفعل !!
فلتعترف حين يسألوك عني أن أصعب الخسارات هي تلك الخسارات التي لم تكن بإرادتك ، و أن البُعد لم يكن في أغلبِ المرات غاية ، و لا تنسى أن تُخبر كل من يعتقد أن من ” يُحب لا يتخلى ” ، أن الصادقون في الحُب قد يتخلون فقط لكي لا يؤذون من يحبون !!

الساعه الآن 11:11PM وقتُ تحقيق الأمنيات كما يزعم الكثيرون .. تمنيتُ أن يصلني خبر يطمئنني عنك .

____________________________

في نفس الليلة .

” أعلنَ خفرُ السواحل الإيطالية عن إنقاذهم لعشرة مُهاجرين كانو قد جاءو من الشواطيء الليبية من بين العشرات الذين لاقو حتفهم إثر تحطم مركبهم في العواصف التي استمرت حتى ساعات متأخره من صباح اليوم ”

كانت إعلامية شقراء بعينان زرقاوين تتحدث بلهجة مقدمو الأخبار و تُعلن ذلك الخبر الذي ظهر في الشريط الأحمر العاجل بشيءٍ من الأسى !!

مر أسبوعٌ من القلق حتى وصلني خبر عنه ، كان من أولئك الناجون العشرة ، أهو الحظ أم أنها دعواتي ؟! ، حقاً لم أستطيع الجزم ، لكن شعوري كان حينها أشبه بمن تفرح بإسوارةٍ جديدة و هي مبتورة الأيدي !!
________________________________

الرسالة الأخيرة !!

فتُراكَ خُضتَ الحُروب حين هجرتني
أم أنكَ بإستسلامكَ عِشتَ سَلاماً ؟!
إن كُنتَ تُحارب شُعورك فلن تهزمني
و إن كُنتَ سالمَ القلبِ فقلبي رُكاماً

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
لاشيئَ أنا بقلم:عمر محمد زعبيه
التالي
إحدى دروس الحياة بقلم: راما خليل اليازوري

اترك تعليقاً