مقالات ونصوص متنوعة

رسالة انتحار، بقلم :شمم الجبوري”نص قصصي”

بعد أن خرج من السجن و قد أنهكه اليأس ، و أطبق عليه الحزن بقضبان بلا حديد،
كان مسجون من الداخل بروحه، قبل سجن بدنه.
في تلك الغرفة المعتمة الباردة الخالية من الروح
و الأثاث سوى كرسي وطاولة خشبية قد حفرت من الجانبين وبهت لونها.
شكلها يوحي إنها قديمة ومتروكة، وضع عليها دفتر صغير وقلم بشكل عشوائي.جلس على الكرسي محدقاً إلى جدران وسقف الغرفة الذي أحدثت عليه أرجل الحشرات خطوطاً عشوائية باهتة.
إلتفت إلى ذلك الجدار ، الذي بدت واضحة عليه خطوط قلم الرصاص ، لا بد أنها رسمت بيد طفل يكاد لا يتجاوز الأربع سنوات، إذ كانت مبعثرة أسفل الحائط على طول ذلك الطفل.
حدق في ذلك الجدار و بكل أسى قائلاً:
أنت عائلتي، بمصباحك المكسور مع زوجتي وتلك الحفر الصغيرة من أطفالي، لماذا تركتني مثلهم؟ خذلتني أنت الآخر؟
إستدار إلى الجدار الآخر حيث النافذة والستائر قد مزقت بعض الشيء ، نظر وقال : وأنت أيها الجدار، كنت تشبه صديقي ، نافذتي على الأطمئنان، لقد تركتني أنت الآخر، فصديقي لم يزرني في السجن و لا مرة. إستدار مخاطبا الجدار الأمامي وقد كان الباب مفتوحا :قائلاً:
يا شبيه أمي وأبي ، لم تغلق الأمل في وجهي أبداً لو إنهما ما يزالان على قيد الحياة لكانا باباً لجنتي لا يوصد.
نظر بغضب إلى الجدار الخالي من كل شيء قائلاً: أما أنت فحياتي البليدة، المعتمة ، الخالية من كل مشاعر وألوان تشبهك تماماً أنت أيها الجدار اللعين سأفارقك ، لن أترك لك سوى حروف مبعثرة على ورقة ممزقة يحملها الريح إلى الضياع.
بيد مرتجفة تناول ورقة من ذلك الدفتر . والقلم باليد الأخرى ، بدأ ينقش كلمات بخط غير منظم، شبيه ببقايا حلمه المتهالك و كتب:
أنا لستُ حقيقي ، أنا شيء مزيف ومفتعل
خذلني هذا العالم ، بعثرني و تركني .
و أنا سأخذله و أسكت ضجيجه عن رأسي الى الأبد.
ما إن إنتهى من كتابة تلك الكلمات حتى مد يده في جيبه ، أخرج مسدسا كان به … طاااااااااا .. دوى صوت الرصاصة ممزقا صمت ذلك المكان الكئيب ، ملطخاٌ ذلك جدار حياته البائس بدمائه الممتزجة بدماغه المثقل باليأس.

إقرأ أيضا:من هو أحمد بن حنبل

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
أنانيّة الحياة، بقلم: يونس المحمد”نص نثري”
التالي
لعنةُ التّفكير، بقلم:ريحان رمضان”نص نثري”

اترك تعليقاً