مقالات ونصوص متنوعة

على ناصية حلم، بقلم : ماري غانم

أقفُ مَذهولةً من تَعددِ الخياراتْ، و يَقفُ عَقليْ عاجزاً عن تَرتيبِ الأولوياتْ.
على ناصيةِ حلمْ.
يُطبقُ صَوتيْ فَمهُ و يَمتنعُ عنْ الثرثرة؛ ينسى القائمةَ و رأسَ القائمةْ، يتناسى الماضي و ما جرىٰ.
صاعقةٌ منْ قلبيْ تَنبعثْ فَتَرُجُّ صَوتي و يَنطقُ حينها عَمَّنْ في الحربِ قَدْ ماتْ.
يقولُ وَ معرفةُ الحقِ يَعرفُ أنَّ كلامهُ عنْ الأوانِ فاتْ.
على هذهِ الناصيةِ كلُّ الأصواتِ ماتتْ فلما صوتي أنا بالذات؟!.
‏أكانَ السبب استحقاقاً، أم لأنني أبعدتُ المسافاتْ؟!
أنا لستُ أهلاً حتى أنتصبَ على ناصيةٍ كهذهِ و أصرخْ،
و إنْ فعلتُ فغربتيْ ستغتالنيْ و تسرقُ منيْ الكلماتْ.
إنني محدودٌ و محدودٌ للغايةِ حتى لو كنتُ أستحوذُ على عددٍ لا يحصى منَ الخياراتْ.
يصمتُ صوتيَ  و يصمتُ الحاضرونَ و أصمتُ أنا بالذاتْ.
لبرهةٍ تخذلنيْ نظرتي، فأنظرُ الأفكارَ العارياتْ.
أنظرُ للإنسانيةِ و للحياةِ و للمماتْ.
أنظرُ لهنَّ وراءَ القضبانِ محاطاتٍ بذنوبٍ و اتهاماتْ.
أنظرُ السجنَ والسَّجانَ و لأنصافِ الأشياءِ و الرفاتْ.
أنظرُ للإنسانيةِ التي ألبسوها ثوباً من العنصريةِ،
أنظر للحياةِ التي في خمارِ المالِ تزينتْ فبانَ الحزنُ من عينيها الواسعاتْ.
حتى فتاةُ الموتِ كانت في جلسةِ الحْلمِ أيضاً، حتى الموتُ لم يسلم منَ اللطماتْ.
ألبسوهمْ ثياباً لا تشبههمْ، لأنهمْ لا يحبذونَ الفاسقاتْ.
وأنا القاضي على ناصيةِ الحلمْ -أنا الأنثى الإستثنائية-التي ستحكمُ (بالعدل) على الثلاثِ الجميلاتْ.
على ناصيةِ الحلمِ، كُنتُ أحملُ بيدٍ مطرقةَ الجلسةِ وبالأخرى كنتُ أحملُ أصواتْ.
أولئكَ الذينَ رحلوا تركوا ورقةً لقاضيةِ الحلمْ، علَّها تُقربُ السنواتْ.
ورقةٌ بيضاءَ كوجههم،فَهُمْ وحدهمْ ملائكةُ الأرضِ في السمواتْ.
ورقةٌ جعلتني، أضعُ كلَّ شيئٍ جانباً المطرقةَ و الحضورَ و الاستثناءات.
راحتْ أحزانيْ تحملنيْ و تذكرنيْ بالقتلِ و التشردِ و الاعتداءاتْ.
و أطيرُ في حلمي إلى سوريا و أرى الشعبَ الذي أرادَ الحياة.
رأيتُ كلَّ من رحلوا في رحلتي رأيتُ بيتيْ رأيتُ الحانوتَ و الجاراتْ.
لمحتُ أولادَ عمي و أولادهم لمحتُ العماتَ و الخالاتْ.
و بيتُ جدي وجدتي و عتمتهُ التي كانتْ لا تخلو منَ الحكاياتْ.
دخلتُ غرفتي و فتحتُ الشباكَ ألقيتُ سلاماً بصوتيَ العاليْ على الصديقاتْ.
ليسَ من أرضٍ إلا أرضُ سوريا  في هذا العالمِ تشعركَ بعاطفةِ  الأمهاتْْ.
عُدتُ منْ حلمي سريعاً إلى ناصيةِ الحلمِ و للأوراقِ البيضاواتْ.
قلتُ بصوتٍ شبهِ متفجرْ:
أنا اليومَ في غربتيْ، تركتُ بيتيْ و قلبيْ و بلدتيْ.
تركتُ الألعابَ و الذكرياتَ و البناتْ.
تركتُ دارَ جدي و جدتي والحكاياتْ.
تركتُ طفولتي و الأيامَ المزهراتْ.
حتى أقفَ على ناصيةِ الحلمْ.
معي رسالةٌ من قلوبٍ جريحةْ.
قلوبٍ قلبتْ الطاولةَ علينا جميعاً و كانتْ منَ الهارباتْ.
رحلوا و هُم يدافعونَ عن الإنسانيةِ و الحياة.
و يفتشونَ في تربةِ قبورهمْ عن راحةِ المماتْ.
يا شعباً لا يجيدُ سوى إلقاءِ الملاماتْ.
أعُلنُ إطلاقَ سراحِ من وضعتهنَ في زاويةِ العاهراتْ.
أعُلنُ أنا حريةَ الإنسانيةِ و الحياةِ و المماتْ.
اخلعوا الثوبَ و الخمارَ و العباءاتْ.
و كفانا أرقاماً و بنوداً  والتزاماتْ.
فلتخرج الإنسانيةُ من دونِ عنصرياتْ.
و الحياةُ دون مالٍ أو حليٍ أو طرازاتْ.
دعوا الموتَ أيضاً يسيرُ بأمانٍ حولنا و يعطيْ لمن رحلوا إيماناً بالقياماتْ.
ذُهِلَ الجمهورُ باستثنائيتي، كانَ الصمتُ مؤلماً حينها كضربِ السياطْ.
صفقَ الجميعُ و ابتسموا و تلاحمَ المتهمونَ والجناة.
و امتزجوا فحلَّت الإنسانيةُ بينَ الناس ِو الحياةُ ترقصُ بينهمْ و آراءٌ بدأت تصدحُ بأصواتها بعدما كُتِمتْ في زمنِ الحرياتْ.
أَجمعوا بصوتٍ واحدٍ، و قالوا لي:
أستحقُ أن أكونَ أنثى استثنائيةْ حتى لو كـانَ ذلكَ
-على ناصيةِ حلمْ-..

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
رثاء وطن، بقلم : شذى محمد
التالي
حزينة هي الليلة، بقلم : كارولين ماهر

اترك تعليقاً