مقالات ونصوص متنوعة

رثاء وطن، بقلم : شذى محمد

هل أراك سالماً مُنعماً   غانماً مُكرماً!؟
هل أراك؟
توقفتُ عندَ ذلكَ البيت، نظرتُ لهُ نظرةً مكسورةً مليئةً بالشَّفقة،
دخلتُ سراديبَ الحياةِ بِكَ واخترقت جمجمتي مناظرُ النَّاسِ في طرقاتِكَ،
تَعِبَ أبناؤكَ يا وطني، هرموا وأصبح ربيعُ شبابهم خريفاً تتساقطُ بهِ أحلامهم واحداً تلو الآخر، على أزقةِ الطُّرقات، بجانبِ حديقةٍ دمّرت، مدرسةٍ أصبحت ملجأ من القصفِ، سبورةٍ كتَبوا عليها طموحاتهم ذاتَ يومٍ والآن أصبحت مليئةً ببصماتِ الألم الدَّموية،
أبناؤكَ تعبوا وقرَّروا الرّحيل يا وطني، لا تغضبْ منهم أرجوك، هم حنّوا لسماءٍ صافيّةٍ لا تغطّيها غيومٌ دخانيّةٌ، لقمرٍ لا يطلُّ بملامحٍ حزينةٍ، لشوارعٍ تخلو من الأطفالِ الجياع، هم اشتاقوا لوجبةٍ دسمةٍ يأكلوها دونَ أن ينحرموا من الطَّعامِ لعدَّةِ أيامٍ بسبب الأسعار التي تلتهمُ لحمهم دونَ شفقةٍ،
لا يريدون التّخلي عنكَ صدّقني لكنّهم ماتوا وهم على قيدِ الحياة، وأيُّ حياةٍ هذه،
أصبحت الطّرقاتُ والسَّماءُ والبحرُ ينطقونَ بحروفِ الاستسلام، حتّى الياسمين الذي أخذنا صمودنا منهُ يوماً أصبحت أوراقهُ حزينةً لا تمتُّ للقوّةِ بصلةٍ،
براءةُ الأطفالِ شوِّهت وأصبحت ملامحُ اليأس تغطّيها، وأيُّ أطفالٍ هؤلاء! ينامونَ على الطُّرقاتِ مُتلحفينَ بالسَّماء التي أجهضت نجومها،
دُمْيَتُهم أصبحت أمَّاً عاجزةً عن النّطقِ والحركةِ، يضمُّونها إلى صدورهم بعجزٍ طالبين منها بعض الحنان الذي حرموا منهُ،
حقدَ عليكَ أبناؤكَ يا وطني، كرهوكَ وأرادوا مغادرتكَ، باحثينَ عن أحلامُهم التي أضاعوها، باحثينَ عن حياةٍ ولا شيء غيرَ الحياةِ، لم تعطيهم هذهِ السِّنين العجاف سِوا رغبةً بترككَ تُصارعُ أعدائِكَ وحدكَ دون حزنٍ أو حتّى دمعةٍ واحدةٍ لاحتضانِ تُرابكَ، كتبوا حروفَ استسلامهم على ملامحِ أمِّ قُتلَ أطفالهُا أمامهُا، على ملامحِ طفلٍ انتظرَ عودةَ أبيهِ طويلاً ولم يعد، على وجهِ فتاةٍ عادَ أخيها مبتورَ القدمين والأملِ..
أعذرنا يا وطني لكنَّ السَّلامَ الذي تمنيناهُ موجودٌ بأحلامنا فقط، أعذرنا فقد تحولنا لأمواتٍ خاليينَ من الأرواحِ، أعذرنا فلم يبقى سوا أن نعلِّقَ لوحةً على بابِ القادمين إليكَ، تقولُ: أهلاً بكم في مقبرةِ الأحياء.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
لوحة فنية، بأنامل: رشا محمود مدور “فن الرسم”
التالي
على ناصية حلم، بقلم : ماري غانم

اترك تعليقاً