مقالات ونصوص متنوعة

من مذكرات سجين، بقلم : رياض محمد أحمد

رائحة التبغ المحروق ولسعة الهواء البارد فوق صدري العاري وهذه الأرضية المصقولة بالصقيع تلدغ قدميَّ الحافية و رأسي المطأطئ بخنوع تراكم أوزار الغربةو الزمان .. وعينيَّ المعصوبة و سيمفونية الشتائم المهترئة المنتقاة من أرذل أزقة الشرق المعتمة ..
” لا أعلم ماذا فعلتي لهم يا أمي حتى تطالكِ ألسنتهم القذرة، أو أي ظلم ارتكبه والدي بحقهم حتى هشموا صورته المقدسة في قلبي كما فعلوا بأضلعي وعظامي منذ قليل

كل هذا يشير إلى أني ذاهبٌ للمرة التي لم أعد أذكر رقمها لمقابلة سيدي ..
و”سيدي” بين معترضتين

ساقوني لتلك الغرفة مجدداً كشاةٍ تساق لباب الجزار ،ورموني أرضاً وصدى ارتطام جسدي يرتد بين الجدران الأربعة فيحرك فيهم حسهم الرجولي المعدوم خارج هذا المكان فيسارعوا لترك آثار نعالهم فوق جسدي النحيل والمصفر والمرقع بالندوب ..

صوتٌ يهمس من جوف الغرفة ..
_ دعوه الآن وغادروا ..

صدقني هذه اللكنة تثير فيَّ الخوف وتجرعني الآلم أكثر من بطش هؤلاء الغيلان ..إنه هو ..”سيدي” كما كان يرغمني أن أقول

يقترب من جثتي التي توسدتْ وسط الغرفة ويسعف شعريَّ الأشعث بيده ويركل وجهي بحافر الثور خاصته مبعثراً ما تبقى من ملامحي، متذرعاً بالأشمئزاز من رائحة ثيابي النتة التي قضيتُ حاجتي فيها رغم أنفي وأنا داخل الزنزانة الضيقة،
تلك التي حشرتُ بين جدرانها بطريقة عجيبة مما يجعلني أضحك بطريقه هستيرية تثير غضبه
“يبدو يا سيدي أنكَ لست معتاداً على رائحة الكرامة وتصابٌ بالحساسية منها … حتى من بقاياها العالقة في فضلاتنا”

إقرأ أيضا:زيّنَ المَكان، بقلم: رانيا محمد البج

سيبدأ بعدها بإشهار أصابع الاتهام نحوي مجدداً وإعادة وتكرار ذات السيناريو الممل عن التهم الموجهة لي .. ما يثير سخطي أنهم أمسكوا بي بتهمة الصراخ في الأزقة ضمن احدى محاولاتي التراجيدية التي لا تخلو من الكوميديا لاستنهاض الحياة في نفوس من جعلوا منهم عبيداً سجنوني في الجحيم فقط لأني قلتُ لا عن سابق إصرارٍ وترصد … فقط لا ولاشيء غيرها

فكيف أصبحتُ بطريقة مجهولة متطرفاً علمانياً شيعوياً متطاولاً على أصحاب الجوخ والمخمل برؤوسهم الضخمة وقرونهم التي تتوضع فوق ربطة عنقهم ..
ناشطاً سياسياً ومحرضاً طائفياً على القتل ملحداً بفضل أسيادي عليّ… جعلوني” كبش محرقةٍ ” ببساطة التركيب و بدائية اللفظ

أقسم بالله رغم أنهم لا يؤمنون بوجده هنا ولا بوجد ملائكته التي تسترق النظر من خلف الجدران وتدون أفعالهم وترسلها على شكل بريقياتٍ نحو السماء حيث لا تضيع الشكوى وتختفي داخل الدروج

أني لم أكن شيئاً مما قال، فأنا أجبن من أن أصرخ بوجه قطةٍ صغيرة

حاولَ كثيراً وكثيراً دون كللٍ أو ملل متعيسناً بخبرته كمحققٍ مدمن على رائحة الذل والدماء ومورثاته الإجرامية، لكن دون جدوى .. لم يكن ذاك الوحش قادراً على انتازع حرفٍ واحدٍ من على حافة ثغري المصاب بالخدر
ولم يكن ليتوقف لولا.. توقف ردات فعلي وانقطاع صرخاتي و وشهقتي الطويلة وسكون نبضي المفاجئ وانسلاخ روحي

إقرأ أيضا:كبسولة منع الحمل

ياجسدي ، هاقد انتهيت أخيراً ….

وهاهم ذا يحرقون جثتي الطاهرة .. وملفي السميك الذي كتبوه بأيدهم .. ليتركوني أقابل ربي كما انا وليس على أني متهم 

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
دموع في المهد، بقلم : آيات حريدين
التالي
نصائح اختيار الفاونديشن المناسب

اترك تعليقاً