مقالات ونصوص متنوعة

تائه تحت جناح الليل، بقلم : رياض محمد أحمد

يستوقفني هذا المكانُ مجدّداً إذ تتراكم أكداس الفوضى في آخر الزقاقِ تماماً حيث التقيتُكِ بفستانكِ القصيرِ و ساقيكِ قصبتي السّكرِ النّحيلتين تتراقصان فوق رصيفِ الشّارعِ مع رنةِ خلخالِكِ التي تبعثُ الرّعشةَ في جسد المدينة مع كلّ خطوةٍ يقرعها نعلُكِ
و خصلاتُ شعركِ الكستنائيةُ تتموج مع الرياحِ الغربيةِ المحملةِ برائحةِ زبدِ البحرِ تلك التي تطوفُ فينا قادمةً من ميناءِ السفنِ القديمِ.

أذكر كيف قبّلتْ نظراتي جسدَكِ المنحوتَ بأناملَ ملائكية، قبّلتكِ ألف مرة و مرة، من أخمص قدمَيكِ حتى ياقة قميصكِ، و أقف هناك أتلذذ بقطع الحلوى الكرزيةِ فوق وجنتَيكِ دون أن أتناول قُبلةً منها.. عذراً أقصد قضمةً سيدتي
قبل أن أستسلم و أغرق كزورقٍ هرم على ضفاف عينيكِ البندقية، أنا مؤمنٌ أنكِ صنعتِ بعناية إلهية ..

أتجاوز الزقاق مسرعاً قبل أن يلتهمني فيضان ذكرياتي الجامحة و أقسم بالله رغم أني لا أعرف عن الله شيئاً إلا القسم و الخوف الذي يتملكني من أن ألتقيه بهذه الهيئة القذرة، إني أحن لتلك الذكريات أو أحن إليكِ لا فرق بينهما صراحة.

أجدني بعد مسيرة أغنيتَين و قصيدةٍ يتيمة عند حانة فقيرةِ الملامح، أرقب الحاضرين و أنا أبلل سيجارةً بلعابي ثم أشعلها مع شهقة طويلة أبتلع معها ما تبقى من هذياني بكِ و أدخل بخطوة ثابتة متتبعاً رائحة الكونياك اللاذعةَ التي تثير الحكة في رأسي قبل أنفي دون أن أعير اهتماماً لقطيع الرعاع المحتشدة داخلاً ككلبٍ لا يستهويه صخب القوافل و لا يطيق حتى اعتراضها ..
أتجاوزهم وكأنهم ماكانوا،
أصل لطاولة النسيان أُسقِطُ جثتي المثقلة تعباً، أفك ربطة عنقي مغازلاً النادلة قليلاً و أحتسي كأساً تلو الآخر حتى أنتشي، فأنتفض هارباً و ساقاي تسبقاني، شاطراً الشوراع لنصفين، ألهث أنفاسي تحت نافذتكِ و أصرخ باسم والدكِ العجوز الخرف حتى يجيب و أنهال عليه بوابلٍ من الشتائم و الحجارة، أحطم زجاج منزله و كرامتَه معاً ثم أغادر دون وجهة مترنماً ببعض الأغاني التي لا يسعني تذكُّر كلماتها أو لحنها حتى..!
و أستمر هكذا مستسلماً للشوق و الثمل قبل أن تحتضنني كبينة الهاتف فأقبلها و أسارع بطَرْق لوحة الأرقام بقوة دون تردد
-” إنه يرن يا إلهي .. يا إلهي تمالك نفسك قليلاً.. “
أقولها في نفسي و أنا أستعد لأستقبل إجابَتَكِ و أقع بحالة هستيرية ترافقُ خدر بحة صوتِكِ المتعبِ.
أعدتها مراراً و تكراراً بلا كللٍ أو مللٍ قبل أن تصفعَني الصدمة فأفيقَ ..

إقرأ أيضا:تاريخ تابوت عنخ الذهبي

يا أحمق في الجنة لا يستخدمون الهواتف …!!

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
اهم استخدامات الليمون التنظيفية
التالي
كيفية التخلص من بقع الدم على الملابس

اترك تعليقاً