مقالات ونصوص متنوعة

عين كارم, بقلم : هالة محمد درويش “مقالة”

أنا ابنةُ فلسطين وليدة القدس، ابنة القرن التاسع عشر، لي عدة أشقاء ، دير ياسين، ولفتا و جالا وغيرهم،. سأخبركم عن قصتي وتاريخي الأليم : كان في قديم الزمان قرية تعتبر من أزهد القرى في ربوع القدس، لكن سلبوا منها أرواح أبنائها وأحفادها فأصبحت دماء الشهداء فيها ممزوجة بأشجار الياسمين، أنا عين كارم العريقة الملطخة بقشورِ خذلان أقاربي، فتوفيت أزقة منازلي واعتنقت الشروخ جذوع أشجاري، داهمني الحريق وسيطر على خلاني الرماد الخانق، وأرسلهم الى حافة الهاوية، شتاتٌ و أمراضٌ و نزاعاتٌ أحاطت جبين أبنائي، فقد حُكِموا بالأعدام نحراً، وأصبحت موتتي الثامنة والأربعون نكبةً أسقطت أغصان الكروم و أبكت ينابع العيون، أحاطَ الدخان سمائي و لم يكن لي سبيلاً لأعانق أحفادي فأصواتهم الضاحكة رسموها الآخرين وأصبحت صرخات أنين باكية. أحجار منازلي ذرفت دمعاً شوقاً وجفى فبداخلها أشواكٍ سامةٍ تبعثُ لشروخي لوعة الذكريات، فما من طيب ولا لرائحة الخبز القديم ولا لنعنعَ البر في إبريقِ شايٍّ فوق جمر الحطب، ولا لكروم العنب والتين مواسم، فمواسمها انتهت في زمن الثامنة والاربعين، ولا لرائحة القهوة في حي المقاهي فقد أصبح مهجوراً، لقد بتروا منها صدى الأصوات، وأصبحت الطرقات مسكونة بالوحشة. إنها ليست بقصة أو بعض الأساطير المدونة إنها ذكريات محفورة كأنها نتوئات بالدماغ فخرابِ هدوئي كان مرسوماً ونُفِذَ حينها، لا أعلم إن مرَ مُرّاً مريراً في ثنايا أشقائي الأخرين، لكن مُرّي في شتات أبنائي وفقداني لعناقهم الروحي. وجداني ووجدانهم في شوقٍ مستمر على أملِ الرجوع يوماً ما.

إقرأ أيضا:رسالة انتحار، رنيم أسامة “خاطرة”

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
في وَصفِكَ، بقلم: آيه حسام النبالي، “نصوص نثرية”
التالي
فراق مؤلم , بقلم : فاطمة فايز عمير ” نصوص نثرية”

اترك تعليقاً