مقالات ونصوص متنوعة

شجنٌ أزلي ، بقلم: عبد الرحمن أحمد المناصير

آخر جلسة علاجيّة عند الطبيب النفسيّ في الثامِن عشر من ديسمبر.
في تمامِ السّاعة الخامسة والنّصف مساءً.
كنتُ في داخِل الغرفة رقم ثمانية عشر من الطّابق الثاني عشر في مبنى الاضطرابات العقليّة.
بدأتُ أرى علاماتَ اليأسِ على وجهِ الطّبيب؛ لم تجدي معي نفعًا كُلّ الجلساتِ السّابقة، ولا الوقُت الذي كان يتفرّغ به خصّيصًا لي.
لم يستطع تفسيرُ ما أحملهُ بِداخلي، تمنّيتُ أن يمتلكَ عقلًا متبصّرًا يُمكّنهُ من استيعابِ الأمرِ الذي أدّى إلى دفني حيًّا، ولكنّهُ وقفَ عاجِزًا عن تفسيرِ ما كنتُ عليهِ في ذلك الوقت.
لم يتبقّى لديهِ سوى محاولةً أخيرة، رُبّما سَئِم منّي.
أَناخَ أمامي مُتقاعِسًا، وقال هيت لكَ هذهِ السيجارة قُم بإشعالها وأنبِئني بِما حدثَ لكَ وما أدركت.
تعجّبتُ قليلًا، وأخذتُ بِها بينَ أصابعي وهيَ مُشتعلة، ومن ثمّ جلستُ أتأمّلها وهي تحترقُ بِرويَّةٍ حتى بلغَت خِتامُها و بقي الجزءَ الوثيقَ منها؛ لم تستطع تلك القدحةُ من حرقها كاملةً.
احترقَ الرأسُ منها بِدايةً وضُرمت النار بِداخلها بشكلٍ سلس وأهلكت ذلك الجسد الأبيض حتّى جعلت من أحشائهِ رمادًا أسودًا.
أعادَ الطبيب السؤال بِما أدركت؟
كانت الإجابةُ أنّ هذا ما حدثَ لي، كُنت أحترقُ في كُلّ لحظةٍ دونَ أن أُصدرَ أصواتًا مزعجة، يخرجُ الدُخان منّي فحسب ومُتدثرًا في تلكَ اليدِ النّاعمةِ حَتّى قُتلتُ حيًا.
ارتدِّ متعجّبًا سائلاً كيف قُتلت دون أن يعلم أحد بما جرى لك؟
لم أستطع شرح ما حدثَ بدقّةٍ كافيةٍ ولكن، اقتصرتُ القولَ بأنّها استفردت بمشاعِري داخلها وتمكّنت من فتكِها بِشكلٍ قَمِئ، ولم يكن شهودًا على هذا هناك.
ردّ سائِلاً : ما بُرهانك؟
أجبت: كانَ بُرهاني أنّ مشاعري قُدّت من دُبرٍ، وأنّ تلكَ اللعينةَ قهرُها عظيم.
الأردن

إقرأ أيضا:فضل ليالي ذي الحجّة

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
كثيراً ماتهرب،بقلم:آلاء محمد صباح
التالي
لا تجعله يحدد مصيرك..،آلاء إبراهيم الأصفر/الأردن

اترك تعليقاً