مقالات ونصوص متنوعة

سعيُنا المحموم، بقلم: عبير محمد طهراني/ سوريّة

سعيُنا المحموم
لحظة دخولنا هذا العالم ، لحظةٌ صاخبةٌ مفعمةٌ بالجنون ، والتراكض والبكاء ، يلتف الجميع حول الأم ليحتضنوا حياتها فيحفظوها ويحفظوا حياة الوليد، يخرج من قراره المكين وحصنه الأمين ، وهنا تبدأ المعركة ، ويبدأالرهان
صراعُ انتزاع أول أنفاس الحياة ، وتعليم الرئتين كيف تربحان وتخسران في معركة شهيقٍ وزفير نهايتها محتومة توقفٌ مفاجئ في لحظةٍ معينة.
يُمنح الطفل صفات أبويه ، دينهما وكذلك معتقداتهما ويلبس عباءة المجتمع ، ليُحكم عليه بعبودية الروح للتقاليد مابلي منها وما لم يبلَ بعد .
سباق الحواجز المحموم يبدأ ، لا ندرك لماذا بدأناه ولا لمَ العجلة في بلوغ النهاية وهي ستأتينا بنفسها ،
ولكن ….هل نستسلم ؟وقد ولدنا محاربين شرسين نود أن نحمي تفرّدنا وبقاءنا ،
أنريد أن نشرب قهوة الوهم لنعلن للكون أننا أبطال وأننا لسنا قساة ؟
نبدأ بتثبيت قواعدنا أساسات بناءٍ لا أوتاد خيمة ، فلطالما عشقنا الثوابت، وضربنا الغرور حتى بدأنا نصنف الناس إلى يستحقون الحياة ولا يستحقون الحياة ، سعينا المحموم إلى المادة يجعلنا عبيداً لاهثين ، نركض خلف المال ويستمر بلؤمه المعتاد في الهرب منا، يلتفّ حولنا جنون المادة ودخان المدينة الذي يعمي البصر والبصيرة ، ويشوّش الرؤية ويبعثر القيم كأوراق خريفٍ في مهبّ الريح ، ينتابنا صراع هويةٍ ، وطبقات
وهنا يحدث خلل الميزان ، حيث ينتحر العدل تحت وطأة الخذلان ، ينزل العالي ويعلو من سفل ، في عالمٍ همه المادة ، ومقياس التفاضل بين الناس فيه ما يملكه في جيبه ، وفي رصيده البنكي ،
يُباع الحب رخيصاً أمام المادة، وكم من محبٍّ صادقٍ فقد حبيبةً يبتغيها بالحلال لأن غيره دفع أكثر
كم من خُلق باعه من تمسك به طويلاً بحفنة دراهم ،
كم من زوجةٍ باعت زوجها وهجرته لعجزه عن منحها المزيد والمزيد من المال !!!!!
يالمستنقع المادة الذي بدأ يبتلعنا ، ويسلط علينا تماسيحه تلتهمنا بلقمةٍ واحدة فنتلاشى وكأننا لم نكن
ونتألم وكأننا اخترعنا المال لنصبح عبيدًا له، ولا مفرّ من سجنه،فهل نرتضي أن نخلع تاج أخلاقنا ونتخلى عن تميزنا الملكي ونشتري العبودية لما هو فانٍ ،
ونبيع أنفسنا بسعرٍ بخسٍ، بينما تمنحنا الأخلاق رفعة العنقاء وسمو أجنحتها المحلقة عالياً نحو المجد ، وربما الخلود
آه كم تؤلم البشر فكرة الخلود، لكنهم لا يريدون أن يدركوا أن خلود الإنسان هو بقدر ما يمنحه للآخرين
بقدر ما يتركه من بصماتِ خيرٍ وعطاء ، سنتوحد مع الجزء الجميل فينا حين ندرك أن قيمتنا هي أخلاقنا ، وأن لذة العطاء أشهى بكثير من شهوة الأخذ ،
وأنه يمكنك أن تكون في الحياة مجرد عابر ، ويمكنك أن تكون صاحب بصمة ، فقط قرر ذلك وكن جديراً بقرارك .

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
إيعاز من الملك بخصوص عُمّال المياومة
التالي
ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم/ تأملات قرآنيّة

اترك تعليقاً