مقالات ونصوص متنوعة

أرسمكِ على لسان جدي بقلم بيان محمد الورفلي

” أرسمكِ | على لسان جدّي ”

 

 

 

بفرشاتي وألواني الباهتة على لوحي المهترئ وأوراقي العتيقة، بيدي المتجعدة وأناملي المخدوشة، بخلاياي المترهلة، بخافقي المفَتت وروحي التائهة فيكِ،

في زواياك الخائفة واتساعاتك الشاسعة، وفي اضطراباتك اللامتناهية منذ زمنٍ طويل، منذ ولادتي مروراً بترعرعي على أرضك وصولاً لِما أنا عليه الآن، بذاكرتي البنّية المحترقة، بصوت الأعجوبة “محمد حسن” والعظيم “حسن العريبي” وغيرهم الكثيرين، بكلمات المناضل الشيخ “عمر المختار” بما يلتمع من لؤلؤٍ في أعين مواطنيك البؤساء، وبما تتجشّمهُ الأرامل من اختناق ويعانيه اليتامى من فقدان، أرسمكِ يا ليبـيا في أبهى صورةٍ لكِ وفي أسما طلةٍ تكون .

على الرغم من ظلامك المتواصل، حروبك القائمة، تراجيدياتكِ المنكوبة، شعبكِ العاجز المغلوب على أمره، شبابك الورع منه والرديء، طيورك الدامعة، شوارعك الباكية وترابك التواق للحرية والاستقلال، ومدنكِ وقراك الناصبة لخيم العزاءات يا موطني، وعلى الرغم أيضًا من تناثر أجداث الشهداء في تُربك ككلمات بليغة في نص نثريّ مقهور، وساحاتك الكثيرة الرائقة منها والضاجة بشعارات ثورية تندفع من أفواه المتظاهرين كأحجار متكوّرة تندفع من منجنيق قديم .

على الرغم من كل ذلك، أرسمكِ يا أرضي،

كعاشقٍ مُخلصٍ لشحوبكِ وهائم في ناسكِ فيستلهم عشقه من ابتسامة منهم .

إقرأ أيضا:كيف يغذي الجنين في رحم الأم

أرسمكِ بأخضرٍ يُزيح غبار ماضيك الأشهب ويكسو تربتك المسقية بالدماء برداءٍ أخضر خلّاق، أحمرٍ يُحيي صبابة أفئدة بني أرضك، أصفرٍ يشرق بشمس صباحك المشابه للمستحيل، أزرقٍ لسمائك الرمادية ومياهك الشائبة، وورديٍّ يظهر في ابتسامات على وجنات سكانك، وبكلِّ ألوان الحبور أُميّزك، أُهندمكِ وأعزز ترتيل اسمكِ على الألسنة.

أغردكَ يا وطني كأغنية جليلة، وأرنّمك، أردد أحرفكِ يا ليبـيا بصوتٍ عالٍ، بـترفٍ وإسراف، رغم اختناقٍ يُميتني وغصة تُبيد ما تبقى من نفسي، إلا أنّ سحر حروفكِ يا ملاذي يعافيني وينفث عبيركِ في فؤادي، فَـيُحيي ما أماتتهُ الـحروب.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
موضوع عن طرق الحفاظ على كليتنا بأفضل صحة
التالي
أنت

اترك تعليقاً