مقالات ونصوص متنوعة

السارقُ لحياتِنا، بقلم:ملاك الخطيب

السارقُ لحياتِنا

قيلَ في الموتِ : هو ذاك الذي يُنهي حياة أُناس بأقل من دقائق.
إنهُ الذي يسرقُ منا أحبابنا، أصدقاءٌ لنا، أهلنا.

بل إنهُ مثل العدو الذي يُلقي رصاصتهُ في جسد شخص، لم يكتفي بهذا وحسب، يحولهُ إلى جسدٍ مُلون بالألوان الغريبة، منها الأزرق، ومنها الأسود الغامق الذي يخافُ منهُ كل من يراه.

إنهُ مثل السهام التي تُمزق الجسد.
تقتحمُ جسدهُ وتفعلُ بهِ العجائب.
يخرجُ من وراء ظهرهِ وقد يكون حطمَ كل الأعضاء.
يا لهُ من لعين حقاً.

فكم من مرةٍ سمعنا أصواتُ صراخ، وبكاء كاد أن يجعل الحجرِ ينكسر من نصفيه.
أمٌ فقدت طفلها الرضيع، وأمٌ سرق الموتُ منها إبنها الشاب الذي لا يزدادُ عمرهُ العشرونُ عام.
وأمٌ سرقَ منها إبنتها في يومِ زفافها، ذلك اليومُ التي تحلمُ به كل فتاة منذُ صغرها، بدلاً من ارتدائها لثوبِ زفافها الأبيض ، ارتدت ذلك الثوبُ الأخير في هذهِ الحياة، إنها ارتدت الكفن لموتها.

وصراخُ أم لفقدها أولادها جميعهم تحتَ قصفٍ وسقوط المبنى عليهم، لم يبقى لديها إلى قطع من أجسام أبناءها، وربما ليس هُم.

كُل شخصٍ منا سرقَ الموتُ عزيزٌ له، ربما لم يكن قادر على استيعابِ الموضوع وتقبلهِ.
ولكن!
بعدَ فقداننا لعزيزٍ لنا، سوفَ نتعرض للخيبات، للألم، للتدمر،للوحدة، سوفَ نتعرض لخيبة في الاعتيادُ على أحد. والمرور في حالات الصراع بين تقبل الموضوع وعدم تقبلهِ.
سوفَ نصبح أشخاص غير قادرين على تحمل باقي الحياة.

إقرأ أيضا:هواجس حزبية بقلم رامـا موفّق الرّبابعة.

إنهُ لا يسرقهم فقط، بل يأخذ قطعة من قلبنا معهُ،يأخذُ عُمرنا معهُ.

ضحكاتنا، مُزاحنا، أبسط تفاصيل الحياة الجميلة يسرقها معهُ.

يسلبُ منا عُمرنا الباقي، لم يدرك بأننا كُنا نستند عليهم في خيباتنا، لقد كُنا نواجه الحياة بضحكةٍ تصدر منهم.
وعند رحيلهم، أوشكت الحياة على ابتلاعنا بسبب الضعف الذي لحقَ بنا، لم تعد لدينا قدرة للتحمل.

إنهُ الموتُ يا عزيزي الذي لايرحم، لا كبيراً ولاصغيراً.
لم يرحم أحدٌ منا.
هونَ الله على قلوبنا.
ورحمَ الله كلُ فقيدٍ لنا.
رحمَ الله الملجأ الذي كانَ يحتوينا في حُزننا.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
معلومات عامة
التالي
الموضوع عن لوعة الاشتياق

اترك تعليقاً