خاطرة

هواجس حزبية بقلم رامـا موفّق الرّبابعة.

“هَواجِس حَرْبيَّة”

أجمل مراحل عُمري لَم أَذُق طعمها يومًا! كُنتُ أتمنّى أنْ أعيش طُفولتي بِكامل حذافيرها، وأن أكونَ كباقي الأطفالِ لا همَّ لديهم ولا مشقّة تُرهق قلوبِهم.. تمنّيتُ أنْ ألعب،أضحك،أمرح وأطير .

في تِلكَ اللّحظات كانت تغمرني أحضان مملوءة بالحُبِّ والحنانِ والاطمئنانِ، ولكن تبدّلت أحوالنا دون سابق إنذار، وأصبحتُ في يد الموتِ والهُجران.

الحَرب الّذي سلبني من ذاكَ الحُضنِ الدافئ وأخرجني في البرد القارص.. الّذي قتل فُؤادي مِن الحُبّ وشبّعَهُ بالحرمانِ.
الحَرب جَعلني أفقد جُزءًا تلو جُزء آخر مِنْ قلبي.. سَرقَ منّي والديَّ وأنا في التاسعة من عُمري، جَعلني أحمِلُ على عاتقي حِملًا فوق طاقتي، فوق قلبي جَعَلَ صَدري مَقبرة أدفِنُ بها كُلَّ أحبابي وأحلامي.

بالرغمِّ من صغر سنّي وبالرغمِ مِنْ فُقداني لوالديَّ لَم تَعطف الحَياة عليّ؛ بل فَرضَت قَسوتها وجعلتني مُجبرًا على أن أبقى قويًّا رغم ضُعف قَلبي المُتهمّش، تحمّلتُ المسؤولية فِي صِغَري، كُنتُ عونًا وسندًا لِشقيقتي الّتي لَم تَكبُر بَعد، لِتحفظ ملامح والديَّ حتّى.. صارعتُ الحياة بأقوى معاركها وحرمانها، عاهدتُ نفسي أن أزرع الحُبّ في قلبها وأن أمنحها الحَنان الّذي فقدتهُ أنا كي لا تشعر بالنَّقصِ يومًا ما..

سأكون أُمًّا وأبًا، سأكون كلّ شيء لها.. سأُعوّضها عن ليالي الفقد التي سَلبت مِنّا أجمل ما كان لدينا.. كان الأمر صَعبًا، مهما أفعل يبقى أثر الوالدين لَهُ نكهة خاصّة إن فُقِدَت لا تُرَدّ بتاتًا.. لكنّني أحاول من أجلها ومن أجل والديَّ.. تظاهرتُ بالقوّةِ أمامها وأمام نَفسي والحَياة .. وبداخلي ملايين الحَسراتِ والغَصّاتِ.. واللّهِ لم أتعايشَ يَومًا واحدًا مع وضعي هذا ولَم يستوعب عقلي إلى الآن ما حدث بِنَا، لكن هُناك أوقات تأتي عَلِينا تجعلنا نَكبُر مئةَ ألف سنة في يوم واحد، وهكذا كان حالي يومًا بعد يوم..

إقرأ أيضا:أسباب الأرق وقلة النوم

كان الحُبّ يروينا حتّى دخل حرف الرّاء بين الحرفين فأصبح الحرب يُدمِينا..
لا حَنانًا بِقلب الحربِ يا أُمّي..
ولا رَحمةً بِقلب الحربِ يا أبي..

– لـِ رامـا موفّق الرّبابعة.
– الثامن والعشرون مِـن أكتوبر.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
مِت حين مُت بقلم راما موفّق الربابعة
التالي
قصة قصيرة بعنوان حب عابر بقلم فداء خالد الجابري

اترك تعليقاً