مقالات ونصوص متنوعة

٦ سم، بقلم: اسما سارة محمد العلي’ نص نثري

‎‏‎٦ سم

استيقظت صباح اليوم على ألمٍ لا 
يُحتمل في رأسي، بالرّغم مِن أنني مُعتادةٌ على هذا الأمر إلّا أنني أشعرُ بكلِّ نوبة ألمٍ أنها تكون حتمًا الأقوى، لم تكن تلك المرة الاولى التي أُصابُ بها بالصُّداع ولكن هذه المرة كانتْ مختلفة تمامًا،
‎‏‎شعرتُ حينذاك أنّ أحدهم يقتلعُ عيناي من مكانهم،
‎‏‎و للحظةٍ لم أعُد أرى شيئاً سوى سواد، 
‎‏‎كانت حتمًا النّوبة الأكثر ألمًا،
‎‏‎ بدأت بالتقيؤ ككُلّ مرّةٍ،
‎‏‎ثمّ استجمعتُ قِواي و ارتديتُ ملابسي كعادتي لأذهب إلى طبيبِ أُسرتنا كي يكتب لي عذرًا لعدمِ ذهابي إلى المدرسة اليوم،
‎‏‎و بعض المسكنّات، لَّم أعُد أهتمّ بالسّبب، بَل بِطريقةٍ ما تمنعني مِن اقتلاع رأسي ورميهِ في القمامة،
‎‏‎فقد مللتُ من الاستفسار عن حالتي طوال الأعوام الأربع الّذين مضوا، كانتْ الأجوبة في كلّ مرة ذاتها ،
‎‏‎أصبحت يائسة مما أنا عليه، أتألّم فآخذ عدّة مسكّناتٍ مِن الطّبيب ثمَّ أعود إلى غرفتي مغلقةً لتلك النوافذِ و مستلقيةً على سريري إلى أَن أستسلم للنوم،
‎‏‎كانت حالتي هذه تزداد صعوبة رويدًا رويدًا كنتُ أرى نفسي انطفئ يومًا بعد يوم كشمعة أذوب مع مرورِ الوقت، فلَم أعد كما أنا، أصبحتُ كائنًا لا يُطيق التجمّعات و الاحتفالات بعد أن كنتُ أنا من ينظمها،
‎‏‎ دامَ ذلك الوجع لأيّامٍ عدّةٍ وكان الالمُ يزدادُ يوماً بعد يوم فقررتُ يومها الذهاب للمستشفى لعلّ وعسى أن يفسّروا لي السّبب هُناك
‎‏‎و لكن حينما وصلت تمنيتُ لو أنني لم أذهب قط،
‎‏‎تمنّيتُ لو أنني تعايشت مع ألم الرّأس المُزمنِ هذا في منزلي،
‎‏‎فكان هذا سيكون أسهلَ بكثيرٍ من أن أرقد هنا حيث البياض ولا شيء سواه،
‎‏‎المكان المليء برائحة الأدوية ، رافق وجعي ذلك العديد مِن الأنابيب الّتي سرّبوها إلى جسدي بواسطة ثقوب في كلتا يداي،   
‎‏‎بعد مرور ثلاثةِ أيامٍ مستمرّةٍ على ذات الوجع في نفس المكان قاموا الأطباء بتحويلي إلى قسم تصوير الأشعة ليكتشفوا من خلال تلك الصورة أنّ هناك ورم اقتحم رأسي، منذُ حوالي أربعة أعوامٍ، 
‎‏‎صمتٌ وصدمةٌ ،
‎‏‎لَم أعُد أشعرُ بالألم، 
‎‏‎لا بدّ مِن وجود خطأ ما، 
‎‏‎مؤكدٌ أنّهم مُخطئون بالنتيجة هَذهِ، 
‎‏‎سأذهب الآن، سأخرج الآن من هنا و كأنّ شيئًا لَم يحدث، 
‎‏‎لا وجود لشيءٍ صلبٍ في رأسي..
‎‏‎ثمّ استيقظت بعدَ زوال تأثير المهدئّات مِن جسمي لأرى الجميع حولي، كانوا كلّهم هنا. 
‎‏‎و لحسن حظّي أنّهم هُنا.
‎‏‎ عرفتُ بعدها أنّها كتلةٌ حجمها ٦ سم و متمركزةٌ في وسط الجّانب الأيمن مِن الدماغ و ينبغي على الأطباء استئصالها و ذلك بإجراء عمليّةٍ في أسرع وقت ممكن،
‎‏‎سمعت أيضًا أن تلك الكتلة كانت كفيلة لتسبب لي العمى لو بقيَت لمدّةٍ أطول.
‎‏‎كلُّ شيءٍ حدث بسرعةٍ كما لو أنّه شريط ڤيديو مسجل
‎‏‎كانت تلك اللحظة الأصعب في حياتي 
‎‏‎ كتلة ترقد في رأسي طوال سنواتٍ عديدةٍ
‎‏‎بدأت بسؤال نفسي كلّ يومٍ .. من أين تلك الكتلة ؟؟ لماذا أنا ؟؟ هل أذيت أحدهم يومًا؟ و كان ذلك عقاباً لي ، أم أنّ الله يختبر صبري،
‎‏‎و لكن ماذا إن كانت كتلةً خبيثة ؟ ماذا إن لم تنجح العملية؟ كانت تلك الكتلة ترقد في مكان النطق أَي كان من الممكن ألّا أستطيع التكلم بعد إزالتها لمدّةٍ قصيرةٍ و ربّما يدوم ذلك مدى الحياة، 
‎‏‎كانت مشكلتي هي أنني أرى التفاصيل ‏و أُعيدُ المواضيعَ برأسي حتّى تصبحَ مُخيفةً، 
‎‏‎و كثرةُ التّفكير بهذا الشيءِ كانت تُرهقني و لَم يكن بوسعي فعلُ اي شيءٍ سوى محاولتي بأن أكونَ اقوى و التّظاهرَ بهذه القوةِ أمام عائلتي.
‎‏‎بفضلٍ من الله نجحت العملية و لكنّ الخبرَ السيءَ كان أنّ الكتلة خبيثة و ينبغي عليي اخذ كمية من الجرعات الكيماوية،
‎‏‎ ثم وضعوني في قسم السرطان ولأنني لَم أتجاوز الثمانية عشر من عمري كنتُ في قسم الأطفال،
‎‏‎حيثُ رائحة الأدوية الكيماوية و أطفالٌ بلا شعرٍ و أمّهاتٌ تبكي باستمرار،
‎‏‎ كنتُ أتخيل نفسي بعد اتخاذ تلك الجرعات،
‎‏‎و كنت أعرفُ تمامًا أنّ تلك الجّرعات ستكون كفيلةً بحرقِ جسدي النّحيل هَذا، و ستأتي أيام أستيقظ فيها و أرى شعري متساقطاً على وسادتي، شعري الأشقر الّذي لطالما تباهيتُ بهِ أمام صديقاتي وبقيّة الفتيات، 
‎‏‎تمنيتُ للحظة أَن يكون كلّ ما عشته مجرّدُ كابوسٍ،
‎‏‎تمنّيت لو تأتي قطتي تقفز فوق سريري و توقظني من هذا الكابوس المرعب!
‎‏‎و لكنّهُ لم يكُن كذلك .. 
‎‏‎نظرات الشّفقة في أعين النّاس، لي ولعائلتي، ألم الجرعات الكيماوية الحارقة، شعري الّذي أفقده يوميًا، كلّ هَذا لستُ بالقوّة الكافية على تحمّله، 
‎‏‎ اعذريني يا أماه، لَم أشأ أن أكون عبئًا آخرًا عليكِ، فكلّ جرعةٍ آخذها، تموتين بعدها ألف مرّة،
‎‏‎لَستُ بقويةٍ يا عزيزتي، أعلمُ أنّك ستبكين عِند العثور على جثّتي، ولكنني أحبّك، ولَم أشأ تعذيبك في رحلتي هذهِ

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
سأبقى القوية،بقلم:نغم يوسف العمايرة”نصوص نثرية”
التالي
كورونا، بقلم: أسيل العزّام”نص نثري”

اترك تعليقاً