مقالات ونصوص متنوعة

تأدّب، بقلم : آيات عاكف حريدين

تأدب ككاتب فليس من المنطق أبداً أن تكون أقلامك مملوءة بالحبر، و أن ينضب الدم من عروقك.
تأدب لأجل الكلمة، لأجل الحرف، و لأجل كل المعذبين الذين جعلوا من ندوبهم مادة أدبية دسمة، تمتطيها أنت بين السطور، فيصفق لك الجمهور من ذوي الأكف المكلومة، لذا صافح جراحهم إن مررت بهم، ولا تخف من العدوى، فيداك ناعمتان و لن يعلق بهما شيئاً من البؤس!
تأدب في حديثك عن أسرى السجون، عن أسرى الشجون، ولا تبني من صفحاتك معتقلاً جديداً و محكمة تعسفية ترضِخ فيها العقول الساهبة في موهبتك الكتابية لأحد نزعاتك المتأنقة بالازياء العاطفية، تأدب لأجل الجياع، و لا تتهم شعبك بالتخلف إن لم يحقق كتابك الرومانسي نسبة المبيعات المطلوبة، فالحواس تدفن في قعر البطون الفارغة، و القلوب يفتك بها الفقر، كما أن الأوراق لا تؤكل، سيكون لطيفاً منك لو أوقدت الأمل بدلاً من أعواد الكبريت باهظة الثمن، قدمها ل أطفالهم بدلاً من الدمى الميتة، و حدثتهم عن قاتلة العفريت التي استفاقت  من قصة بائعة الكبريت،  و نجت من موتها تحت أقدام المارة، ثم ذهبت لتنقم من أصحاب الجيوب المملوءة، سيحبها الصغار الكبار و سيتناولونها كل ليلة و هم يقضمون أظافرهم و يصطكون عظامهم وأسنانهم الهشة…
تأدب أمام نفسك و لا تتعرى أمام قارئيك، احتفظ بروحك في قوارير الفؤاد ولا تبح بأسرار عيونك بذريعة قلم و تذكر أنك مهما تقمصت الحروف لن تستطيع أن تغادر جلدك، فكن لنفسك حصنها كل لنفسك الإنسان و الصاحب ، ولا تنضح بغير ما فيك.
 تأدب أمام الله فكل حرف أنت عنه مسؤولا…

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
هل الاستمناء ممنوع؟
التالي
ليس لي سواك يا وطني، بقلم : راما رضوان سبيريج

اترك تعليقاً