مقالات ونصوص متنوعة

إشتعال حنيني، بقلم: إسراء علي عليوي/ سوريا، “نصوص نثرية”

إشتعال حنيني

ازدحام القادمون، ثرثرة المنتظرون، اشتياق، حنين، قلق، رنين الوصول، اجتاحني صوت تلك الفتاة الآلية تعلمنا بوصول الطائرة القادمة من دبي لمع كلامها في عيني ف ارتسمت بهجةُ الاشتياق على ملامحي، كنتُ أمعنُ النظر في وجوه القادمين عليّ ألمحُ آثار وجهك. يداي ترتجفاً وقلبي فقد إيقاع نبضه حاولتُ ضبط دقاته مرةً إثر الأخرى ولعلها المرةُ المئة التي أفعل بها ذلك وفي كل مرةٍ أفشل.. ماهي إلا ثوانٍ حتى تراءى طيفك أمامي، طار نسيم هواك يدغدغ وتين قلبي، لم أعد أسمع ضجيج العابرين ولا ثرثرة الجالسين حيث إن أوتار قلبي بدأت حفلتها بسيمفونية بيتهوفن التاسعة (أنشودةُ الفرح) تهيأ لي أن جميع المتواجدين صمتوا ليسمعوا أنين قلبي، حاولت أن أضمر صوته لكن عبثاً وفي كل مرةٍ يحرجني. أمسيتَ طويل القامة مع عضلاتٍ مفتولة، لحيتك الكثيفة التي لطالما أحببتها تزيدك وقاراً كانت عيناك تمشط المكان بحثاً عني، أنا التي تجمدتُ عند مرآك وبعد طول انتظار علقتُ ناظري عليك وبدأتُ أحبو نحوك كطفلٍ يتعلم السير في هذه الحياة وفي كل خطوةٍ يسقط، ماهي إلا ساعاتٌ خنقت روحي حتى أصبحتُ أمامك، تصافحت نظراتُ أعيننا، تعانقت وبكت.. خال إلي وقتها أن العالم يصمت لنا أو لأجلنا. اختفت تلك المسافات والبلدان اللعينة التي كانت تتمايل متمخترةً بيننا، مسحت كل التعب والانتظار عندما عانقتْ يدك بنان يدي وبحرارتك أصبت قلبي برعشةٍ جعلتهُ يتوقف عن النبض للحياة وينبض لك، دون سابق إنزار سرت قشعريرة في أنحاء جسدي من أعلى رأسي حتى أخمص قدمي نَقلتها إليك تلك الأصابع المرتجفة. نظرتُ إلى شلال مشاعرك لأرتوي من إحساس عشقك فوجدت نفسي أدخل إلى كهف عينيك وأقع في قاع غرامك من جديد. شُلت عقارب الساعة وكأن الزمن يحاول إخبارنا أنه قد حان دوركم لتحيوا، بعد عدةِ دقائق خرجتُ من ذوباني بك التي خلفتها حرارةُ يدك وقلتُ في ارتباكٍ فاضح بعد أن استجمعتُ ما تبقى مني “كيف حالكَ” نسيت وضع إشارة إستفهامي رغم درايتي التامة بأنك لا تحتاج إلى إشارات استفهامٍ أو تعجب لطالما كنت تفهمني قبل أن أنطق. جاءني ردك الذي جعل وجنتاي تتلونان بلون قلبي أحسست ذلك عندما ارتفعت حرارةُ جسدي فجأة “عندما تكونين بخير أكون أنا” لم أنطق ببنتِ كلمة وعدتُ إلى صمتي أختبئ من حرارة أحرفك، لم تسعفني الكلمات وقتها أعتقد أن لغة الإشارة وجدت لتنقذنا في هذه المواقف لكن ولسوء حظي لم أكن اتقنها فغرقتُ في بحر عيناك دون طوق إنقاذ.
حاولتَ كسر تيبسي لكن قلبك كان يرتجف أكثر مني، لمحتُ ذلك في إنعراج أحرفك عندما خرجت كلمتك دافئة ملتحفةً بحشرجةِ صوتك وكالعادة نطقتَ كلمتك المعهودة “اشتَقْتُك”، كنتَ سيد من رسم الكلمات تتلذذ بترتيب أحرفك على هواك.. قلتَ لي يوماً أن كلمة اشتقتُ لكِ تعني أني قد أشتاق إلى جلوسي معك إلى حديثنا إلى رؤية عيناكِ أما اشتَقْتُك فتوحي بأن كل ما فيني يشتاق إلى كل ما فيكِ، إنها لغةُ الأرواح فأصدق من قد يشتاق هي الأرواح.
بحركةٍ سريعة لم ألحظها حتى دثرتَ يدك في جيب سترتك الداخلي وأخرجتَ صندوقاً صغيراً أحمر اللون جثوت على ركبتك وتركتَ ناظري معلقاً في الهواء، لم أعي ما حدث إلا بعد عدةِ دقائق وكأن أحداً نومني مغناطيسياً، الجميع توقفَ ليشاهد مايحدث وامتلأت عيونهم حماساً خلفتها قناديلُ حبنا التي أشعلت المطار، عادت عيوننا لتتعانق من جديد وفوق رأسي تحلقُ بعض إشارات الاستفهام والكثير من التعجب قاطعتها بصوتك الجميل :
-إسراء…
هل تقبلين الزواج بي؟
اتسعت حدقةُ عيناي أعتقد أن الظلام قد غطى المكان، لم أعد أرى سوى وجهك ولؤلؤتا عيناك وكأنهما نجمتان تتنافسان على إبهاجك بلمعانهما لطالما أعتدتُ أن أخبئ بهما أمنياتي التي كانت نصفها أن ألتقيك ونصفها الآخر عناقك. باغتتني دمعةٌ دافئة ممتلئةً بفيض عواطفك فعندما تكون معي أنسى برودة العالم بنار جمرك و دون أن أعي ماذا أفعل عانقتك وأنا أصرخ : أجل.. أجل.. أجل
سقطتُ من أعلى السرير وبقيت كلمةُ أجل معلقةً في الهواء، نظرتُ في أرجاء الغرفة قبل أن ألعن هذه الوسادة وهذا الحلم وتلك البلدان التي بيننا وبعدك عني، إنها المرةُ الثالثة التي أراك فيها بهذا الحلم وفي كل مرةٍ أسقط في المرةِ المقبلة سأقول لا.

إقرأ أيضا:طريقة عمل البرياني

إسراء علي عليوي

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
طريقة التعامل مع المراهقين
التالي
منطقية التضاد ، بقلم : هناء محمد عطية

اترك تعليقاً