مقالات ونصوص متنوعة

رسالتي الأخيرة، بقلم: مرح سامي الرقب … التقطتُ قلماً منْ بين تلك الكميات المتناثرة

رسالتي الأخيرة….
بلغَ الليلُ منتصفهُ، وأُثقلِ فؤادي باختلاطِ مشاعر الألمِ والحسرة، الشفقة والحزُن، ابتركتُ أمام مكتبي، التقطتُ قلماً منْ بين تلك الكميات المتناثرة على سطح المكتب، وبدأتُ أخطو على تلك الأوراقِ رسالةً تلوَ الأخرى، تارةً أمزقها، وتارةً أجعلها على هيئةِ دائرةٍ قدْ نالَ العمرُ منها، وما أن نفدت أوراقي، إلا ورقةُ واحدة قط، بدأتُ باسم الرحمَنِ أخطو على مقدمةِ الصفحةِ لعلَّها تقللُ من روعي. وأفرِغُ ما وددتُ تلفظهُ، وتنساب كلماتي مني، وكأن بهذه الورقة أعجوبة تجذبُ ما وددتُ قوله، لأرفدَ بالرسالة،
أما بعد….،
سلامٌ مكللٌ بزهرةِ الأقحوان وشعاعِ الأملِ والكثيرِ الكثيرِ من الخيرِ لك يا ملك قلبي، أبي أودُ أن أعتذرَ لك عمَّا سيبدرُ مني، من تصرفٍ سيشتاطُ غضباً ممزوجاً بألمِ الفقدان بشخصك.
ولكِ أنتِ قبلاتُ مُزجت برائحةِ المطرِ، وسلامٌ لكِ من ديارِ القدسِ، لكِ يا من حملتني وتحملتني طِوال سنين عمري، لكِ يا مهجةَ الفؤاد، يا أمي..
ولكمْ أنتمْ يا أشعةَ النورِ في وسطِ الدُجى، يا من اختلسوا الأوجاعَ والظلمات منْ طريقي، يا أضلعي وسندي، لكُم يا إخوتي يا رِفاقَ العمرِ والعُمر.
في ساعتي هذه، الثانية عشرة واثنان وعشرين ثانية، في بدايةِ يوم جديدٍ من السنة، ونهاية آخِرَ يومٍ من مسيرتي في سنة الألفين وعشرين، من يناير في يومهِ الخامس، أزفُ لكم آخر ما تنطقهُ شفاهي، أنّني حاولتُ مراراٍ وتكراراً انتزاعَ الفكرة من مخيلتي، وربِ السماءِ في كُلِّ مرةٍ حاولت انتزاعَ فكرةِ الهجرانِ من أفكاري تستوطنها، ولم تأتِ من دون سبب ومسبب، لقد سئمتُ ثرثرات الجميع، في غيابي لا يتركون سيئة ويقذفوني بها وكأني شيطانٌ يرقدُ بينهم، وفي حضوري يهيئون لي دور الملاكَ لأقتبسهُ، وكأنَّ ما اقترفته جريمةٌ بحقِ بني البشر جميعاً، ولم يَكُن إنقاذاً لنفسي، من تلك البقعة السوداوية التي قذفتوني بها دون حول منّي ولا قوة، ودون أيّ سبُلٍ للنجاة، أو حتى الحياة، وإن وددتُ ذكرَ جميعَ الأسبابِ فلن يكفيني جيشٌ من الأوراقِ، وها هي أوشكتْ أنْ تنتهي تلك الصفحةُ البيضاء بما طمستُ عليها، وفي آخرِ كلماتٍ، أتوسلُ لكم بها بالمغفرة والعفو والدعاء لي بالرحمة وأن لا تطول أيامُ الحزن، وداعاً أيها الكوكب الجميل في حفظِ من الرحمن ورعايته.
دمتم بود

إقرأ أيضا:الموضوع عن قصير عمري

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
مواجعنا/ شعر محمد جارالله السهلي
التالي
لوحة فنيّة بريشة ديمة العنزي

تعليق واحد

أضف تعليقا

  1. أكثر من رائع أستاذ حسام . ربي يوفقك

اترك تعليقاً