مقالات ونصوص متنوعة

نص نثري بقلم عبادة هشام جميل الرفاتي

حبُ الموت

إننا نستطيع الشعور لأول مرة في قلبٍ لا يهمد كبركانٍ ثائرٍ، كورقةٍ عصفتها الريح، كعصفورٍ كانت تجربته الأولى أن يطير، حالما وجَدْنا الصدمةَ الأولى في حياتنا يظلم قلبك بطريقةٍ عجيبة تسكت صوتك، كأن البركان أطفأ شعلته، كحربٍ خاسرة اهترأت في عقلك، يمتلئ الركام الذي سببه تعدد الطرق وفي نهايته هاوية، كقمامةٍ تقذف في الخلاء، كوحيدٍ اشتد في قدره البلاء، ليصل عقلك إلى اللامبالاة ويتلف القلب، حينها ينقلب الصيف شتاءً ويرتعش الجسد ليتهيأ لفجر جديد، يقفُ الشعور لبرهةٍ ثم يمضي، تقف نفسك ثم تمضي، لكن الوقت سائرٌ بكَ وبدونك، كل شيء يمضي إلا عقلك الثابت الوحيد، لهذا ميزنا الله عن الملائكة بعقلنا السَمِج والنافِذ.
أن تحب لأول مرة بلهفةِ شوق وبدهشة أمٍ لمولودها الجديد، وبعد عقدة من الزمن يمضي الشعور، ليصبح القلب كثقبّ أسود يلتهم أطياف الحنين، تمضي أيامك في معزلٍ عن أحداث الدنيا كشخصٍ قرر أن يتقوقع حول ذاته ليعيش في قبوٍ متناءٍ عن الدنيا وما فيها، إلى أن يخرج في يومٍ ما ويصطدم في عالمه الجديد، زمنٌ الخير فيه يسِير والصدق فيه ضئيل والنفوس يملؤها الشَرَه.
يدكُّ في قلوبنا وجَلٌ يرغمنا على حب الموت لا الحياة التي حلمنا لأجلها، عندما تصبح عدالةُ الأرض منفية يلزمنا انكِفاءٌ لا اكتفاء، حبُّ الموت والخلاص هو الحلم الجديد، شبابًا كنا نبرعم وأصبحنا مسنينَ نهزم ونندثر، القبر موقدنا والظلمةُ خليلتنا والكفاحُ سبيلنا في أرضٍ لا حياةَ فيها.
نسارع في طلب الأجل ولا نعلم مصيرنا، نطالب البِلى ليكون نَظِيرنا، متى تدق ساعتنا الأخيرة؟
إلى أين يقودنا سلوكنا المعقود بلجامنا؟
يشيخ القلبُ عند لهفته للقاء، يحزنُ كبكاء شيخٍ هرمٍ وسماع تنهيدته كثقبٍ يتسع كلما هرمنا يمتلئ بأصواتنا، حتى الذكريات تفقد في شتات الدوامة التي تحاكُ في صنيعتنا، نركضُ إلى أحضان الشيطانِ كلما غضِنَت قلوبنا وعقولنا عن ذكر الله، نصنع المتاهات والتوابع محبين ضالتنا، إلى أين يأخذنا الموت يا ترى؟

إقرأ أيضا:قناع الموز لشعر قوي وصحي

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
لا تتركني ” بقلم : إيمان رزق السمري
التالي
“مانشيت عريض”بقلم:مايا أسامة كوسا” قصة قصيرة

اترك تعليقاً