أخلاق إسلامية

تعرف علي مراحل الدعوة الاسلامية

الدعوة الاسلامية هي توعية الانسان بالقران ومحاولة لجعله يمشي علي الطريق المستقيم وان يعرف ان لا اله الا الله وحده لا شريك به وانه قادر علي كل شئ و الايمان به وبالرسل والملائكة 

الدعوة إلى الإسلام
أرسل الله -تعالى- الأنبياء، والرُّسل -عليهم السلام-، وكلّفهم بأشرف الوظائف؛ وهي الدعوة إلى الله، وقد أوصلوها إلى من جاء بعدهم من عباد الله الصالحين، وتأتي الدعوة إلى الله -تعالى- بالنظر إلى أهمّيتها في المرتبة الثانية بعد الإيمان بالله، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)،[١] وما كانت الدعوة إلى الله بتلك المرتبة؛ إلّا لِما لها من النتائج، كهداية الناس وإرشادهم إلى الإيمان، وتكون الدعوة إلى الله بالدعوة إلى دينه، والسَّير على طريقه، واتّباع ما أمر به، والابتعاد عن كلّ ما يُدخل الشرك في عبادته، والتقرُّب من كلّ ما أمر به الإسلام، والابتعاد عن كلّ ما نهى عنه.[٢]

مراحل الدعوة الإسلامية
الدعوة في المرحلة المكّية
الدعوة السرّية
بدأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالدعوة الإسلاميّة في مكّة المُكرَّمة بأمرٍ من الله -تعالى-؛ إذ قال: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ*وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ*وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ*وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ*وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ*وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ)،[٣] فبدأ الرسول بدعوة أهل بيته، ثمّ الأقربين فالأقربين، وكانت الدعوة حينها سرّيةً؛ دون أن تعلم بها قريش، وقد وصل عدد المُستجيبين لها إلى أربعين، منهم: خديجة بنت خويلد، وزيد بن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصدّيق، وغيرهم، وعُرِفت تلك المرحلة من الدعوة بالمرحلة الأرقميّة؛ نِسبةً إلى دار الأرقم؛ إذ كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يُعلّم الصحابة أمور الدين فيها، وذلك قبل الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة؛ حيث كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجتمع بهم في شِعاب* مكّة المُكرَّمة، ولمّا عَلِمت قريش بأمرهم، تصدّت لهم؛ فتوجّه بهم رسول الله إلى دار الأرقم الواقعة على جبل الصفا، واستمرّت الدعوة بشكلٍ سرّيٍ مدّة ثلاث سنواتٍ، ثمّ جاء الأمر من الله بالجهر فيها.[٤][٥][٦]

إقرأ أيضا:كيف تكون من المتقين

وقد كان رسول الله حريصاً على تشكيل الشخصيّة القياديّة لدى الصحابة خلال الدعوة السرّية، والتي ترتكز بشكلٍ أساسيٍّ على صفتَي القوّة، والأمانة، بما يتضمّن الالتزام بالعبادات التي تُقرّب المسلم إلى الله، وكان القرآن الكريم المَرجع الأساسيّ للنبيّ، علماً أنّ الرسول بذل جهده في تأسيس هذه الشخصيات التي تتولّى مهمّاتٍ قياديّةٍ دون النظر إلى أيّ مُحدِّداتٍ، ومن الأمثلة على ذلك ما ظهر في الصحابيّ الجليل ابن أمّ مكتوم؛ فعلى الرغم من أنّه كان ضريراً، إلّا أنّ رسول الله كان يجعله خليفةً له على المدينة حين يخرج إلى الغزو، وكان في بعض الأحيان يخرج إلى الجهاد بنفسه؛ فقد رُوِي عنه أنّه كان يقول لأصحابه: “أقيموني بين الصفين، وحمّلوني اللواء أحمله لكم، وأحفظه، فأنا أعمى، لا أستطيع الفرار”، وكان أيضاً من مُؤذّني المدينة مع بلال بن رباح.[٥]

وتُعَدّ المرحلة السرّية من أهمّ مراحل الدعوة، ولها مجموعةٌ من الضوابط التي سار على نهجها رسول الله، وبيانها بشكلٍ مُفصَّلٍ فيما يأتي:[٧]

مبدأ التدرُّج: فقد وعى رسول الله ما يجب أن تكون عليه الدعوة من التأنّي، وعدم الاستعجال في الوصول إلى المطلوب، وهي قاعدةٌ ينبغي على الدُعاة جميعهم اتِّباعها في دعوتهم؛ حيث يبدأ التدرُّج بأن تكون الدعوة سرّيةً، ثمّ يتمّ الإعلان عنها فيما بعد، أمّا فيما يتعلّق بطول مدّة سرّيتها؛ فيختلف بحسب الظروف الواقعة فيها، ومع أنّ الرسول كانت دعوته في بدايتها سرّيةً، إلا أنّ هذا المبدأ غير مشروطٍ في كلّ دعوةٍ، وإنّما يُقرَّر وجوده بحسب الواقع؛ من حيث الزمان، والمكان، كما سار المسلمون في مكّة على نهج اعتبار الدعوة مبدأ ثابتاً ينبغي السير عليه، ومع ارتباط فكرة سرّية الدعوة بالتدرُّج فيها، إلّا أنّ التخلّي عن مبدأ السرّية لا يعني ترك التدرُّج في الدعوة؛ فالتدرُّج قاعدةٌ من قواعد الشريعة الإسلاميّة بمجالاتها جميعها، ومن أمثلة ذلك ما أوصى به رسولُ الله معاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن، حيث قال له: (إنَّكَ تَأْتي قَوْمًا مِن أهْلِ الكِتابِ، فادْعُهُمْ إلى شَهادَةِ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيائِهِمْ فَتُرَدُّ في فُقَرائِهِمْ، فإنْ هُمْ أطاعُوا لذلكَ، فإيَّاكَ وكَرائِمَ أمْوالِهِمْ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَها وبيْنَ اللهِ حِجابٌ).[٨]
أخذ الحِيطة والحذر: وهذا المبدأ يشمل الدعوة بتفاصيلها ومراحلها جميعها، وليس المرحلة السرّية منها فقط، وإنّما كان التأسيس لهذا المبدأ في المرحلة السرّية، كما علّم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه السير على مبدأ الحِيطة والحذر في مجالات الحياة كلّها، أمّا في المجال الدعويّ فيظهر ذلك جليّاً باختيار رسول الله لدار الأرقم بن أبي الأرقم عمّا سواها، وقد اختارها رسول الله؛ لأنّ الأرقم لم يتجاوز عمره حينذاك السابعة عشر، فلا يُمكن أن يخطر على بال أحدٍ من قريش أن يكون الرسول في مثل ذلك البيت، وإنّما الأصل أن يختار رسول الله بيتاً من بيوت كبار الصحابة الذين لا تجرؤ قريش عليهم، كما أنّ دار الأرقم كانت بعيدةً عن مراكز تجمُّعات قريش، بالإضافة إلى وقوعها على جبل الصفا؛ ممّا يُسهّل عملية مراقبة الطرق المُؤدّية إليها، ثمّ إنّ الأرقم كان من قبيلة بني مخزوم ورسول الله من قبيلة قريش؛ وكانت بين القبيلتَين الكثير من النزاعات، فلا يُمكن أن يخطر على بال أحدٍ أن يتّجه رسول الله إلى بيت أحدٍ من تلك القبيلة، وقد أكدّت الروايات جميعها أنّ ذلك البيت لم يتعرّض لأيّ خطرٍ طيلة لقاء رسول الله بأصحابه فيه.
مبدأ التغيير: ويستند التغيير إلى قواعد يتمّ تحديدها بناءً على المجتمع، وما يسير عليه أفراده من العادات، وفي مكّة كان هدف رسول الله تغيير قومه من عبادة الأصنام التي وجدوا عليها آباءهم، وأجدادهم، إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وقد هيّأ الله -تعالى- نبيّه على ذلك المبدأ ضمن قواعد؛ أوّلها: تغيير النفس؛ حيث هيّأ الله نبيّه للدعوة منذ شبابه؛ فكان يتعبّد في الغار الليالي ذوات العدد*، بعيداً عن اللهو واللعب، يتأمّل ويتفكّر في كلّ ما حوله، وبعد أن تهيّأ تماماً أرسل الله جبريل -عليه السلام- إليه، وثانيها: تغيير أهل بيته؛ فقد كانت زوجته خديجة أوّل من آمن برسالته، وأعانه في دعوته، ثمّ انتقل إلى دعوة أهل بيته، وكان لإجابتهم الأثر العظيم في مساندته، وثالثها: تغيير المجتمع؛ فقد انتقل الرسول إلى دعوة أفراد المجتمع دعوةً فرديّةً حسب ما يراه مناسباً من استجابتهم، ثمّ انتقل كلٌّ منهم إلى دعوة أهل بيته.
الاحتواء: ويعتمد على احتضان ما تقوم عليه الدعوة؛ لاستمراريّتها، ونهوضها، كما يكون الاحتواء في الزمان، والمكان؛ لتمهيد الإعلان عن الدعوة، وما يتبع ذلك من تخلّي قريش عمّا ورثته عن آبائهم، وأجدادهم، والتخلّي عن الزعامة، وكان مبدأ الاحتواء مبدأً سار عليه رسول الله في الكثير من الأحيان؛ فقد احتوى على سبيل المثال الأزمة المادّية التي أصابت المسلمين في المدينة المُنوَّرة بعد الهجرة؛ وذلك بالمؤاخاة بين المهاجرين، والأنصار.
التنوُّع والاختلاف وعالَميّة الدعوة: فقد وصل رسول الله في دعوته إلى أطياف المجتمع جميعها؛ من فقير، وغنيّ، وصغير، وكبير، وغيرهم، ولم يترك قبيلةً من القبائل إلّا وصل إليها، ودعاها، وانتشر الإسلام بشكلٍ مُتساوٍ بين القبائل كلّها، ولم تبقَ هناك قبيلة إلّا ودخل فيها الإسلام، ممّا هيّأ بيئةً خصبةً لانتشار الإسلام، وعدم اقتصاره على فئةٍ أو قبيلةٍ مُعيَّنةٍ، كما لم يقتصر الإسلام في عالَميّته على العرب، وعلى أهل مكّة، وإنّما دخل فيه الفُرس، والروم، ويُلاحَظ على مَن أسلموا في هذه المرحلة سِنّ الشباب، وكان ذلك مقصوداً من النبيّ؛ للاعتماد عليهم، إلى جانب أنّهم لم يكونوا قد اعتنقوا عبادة الأصنام فترة طويلة؛ ولهذا فإنّ تقبُّلهم للإسلام يكون أسرع، كما أنّ عمرهم ساعد على ديمومة الدعوة، واستمراريّتها، ولا تخفى أهمّية كبار السِنّ، وحِكمتهم، غضافة إلى أنّ رسول الله دعا الرجل والمرأة، ولم يُلغِ دور أيٍّ منهما؛ فأوّل من أسلم مع النبيّ زوجته خديجة بنت خويلد، وقد شاركت المرأةُ الرجلَ في أحداث الدعوة كلّها؛ فهاجرت معه، ودخلت غِمار المعركة، وتعرّضت لأنواعٍ من العذاب.
فِقه الحفاظ على النفس على وجه العموم: فإدراك النبيّ لذلك دفعه لأن تكون الدعوة في بدايتها سرّيةً، مع الابتعاد عن القتال؛ وذلك لأسباب عديدةٍ، منها: التربية على الصبر، والمحافظة على الهدف الأساسيّ للدعوة، وعدم الانشغال بالثأر الذي يُؤدّي إلى انتشار الحقد والكراهية بين الناس، إلى غير ذلك من الأسباب، فترتّب على ذلك أن كان الحفاظ على النفس ضرورةً من ضرورات الإسلام الخمس.
فِقه الإعداد والبناء: وترتكز هذه النقطة على النقطة السابقة؛ فقد مَنع رسول الله القتالَ؛ ليتفرّغ لإعداد المسلمين إعداداً عَقَدِيّاً سليماً يساعده على المُضِيّ قُدُماً في الدعوة.
فِقه الأخذ بالأسباب: فقد جعل الرسول الدعوة سرّيةً، واختار مكاناً للقاء الصحابة، وبذلك تمكّنت الدعوة، وثبتت فيما بعد، واستمرّ على ذلك النَّهج في جميع المراحل التي مرّت بها الدعوة.
فِقه التخطيط والتنظيم: وهو مبدأ سار عليه رسول الله في مراحل الدعوة جميعها، وفي كلّ ما كان يقوم به؛ فقد بدأ بدعوة المُقرّبين فالأقربين.
فِقه الاستشارة: فمن صفات القائد أنّه لا يفرض رأيه، وإنّما يستشير مَن حوله من أهل الخبرة والمعرفة بما يُحقّق الغاية والهدف، وقد عمل النبيّ بذلك في جميع مراحل الدعوة، ومواقفها.

إقرأ أيضا:كيف أساعد الآخرين

الدعوة الجهرية وموقف قريش منها
بدأت الدعوة بمرحلتها الثانية، وانتقلت من المرحلة السرّية إلى المرحلة الجهريّة، وذلك بنزول قول الله -تعالى-: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)،[٩] فما كان من قريش إلّا أن تصدّت لتلك الدعوة، وبدأت تُعارضها بكلّ ما تملكه من الأساليب، والاتِّجاهات؛ إذ لجأت إلى التهديد، والتخويف، والتذليل، وغيرها، ومع ذلك ثبت رسول الله على دعوته،[١٠] واستمرّ الجهر بالدعوة إلى حين الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة،[١١] وفي ما يأتي أبرز الأمثلة التي تعرّض لها رسول الله، وأصحابه من الإيذاء في سبيل هذه الدعوة:[١٢]

تعرُّض رسول الله -عليه الصلاة والسلام- للضرب من قِبَل قريش؛ بحُجّة صبرهم على ما يفعله رسول الله من احتقار آلهتهم، وسبّها كما يدّعون، وقد دافع عنه آنذاك أبو بكر الصديق، وتصدّى لهم، قائلاً: “أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟”.
تعرُّض الرسول للإيذاء من قِبَل عمّه أبي لهب وزوجته؛ فقد كانا من أشدّ الأعداء للنبيّ، والدعوة، حتى نزل قول الله -تعالى-: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ).[١٣]
تعرُّض الصحابة -رضي الله عنهم- لشتّى أنواع التعذيب؛ فقد تعرّض أبو بكر الصدّيق للأذى، وجُعِل التراب على رأسه، وضُرِب على وجهه، كما تعرّض بلال بن رباح لمختلف أنواع الأذى، وثبت على توحيد الله رغم ما تعرّض له، إلى جانب العديد من الأمثلة على صبر الصحابة على التعذيب في سبيل الدعوة.

إقرأ أيضا:كيف تكون طاعة الله ورسوله

للمزيد من التفاصيل عن ثبات الرسول -صلى الله عليه وسلم- في دعوته الاطّلاع على مقالة: ((ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم)).

دعوة أهل الطائف
خرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من مكّة مُتوجِّهاً إلى الطائف في شهر شوّال من السنة العاشرة للبعثة؛ ليدعو أهلها إلى الإسلام، وتوحيد الله، ورافقه في تلك الرحلة زيد بن حارثة، وكان يدعو كلّ قبيلةٍ يمرّ بها أثناء سَيره، إلّا أنّهم رفضوا دعوته، كما رفضها أهل الطائف، وبقي فيها عشرة أيّامٍ إلى أن طردوه، وتَبِعَه السفهاء منهم، وضربوه بالحجارة، وسبّوه، فتصدّى لهم زيد بن حارثة، ووقف أمام رسول الله يحميه حتى ضُرِب في رأسه، وسارا حتى وصلا إلى حائطٍ لعتبة بن ربيعة، وأخيه شيبة، فجلس رسول الله تحت شجرة عنبٍ يستظلّ بظلّها، ودعا ربّه، فرقّ له قلبا عتبة وشيبة، فأرسلا له قُطفاً من العنب مع غلام نصرانيّ يُدعى عدّاس، فتناوله رسول الله، وبدأ بأكله، قائلاً: “باسم الله”، فسأله عدّاس عمّا قاله مُتعجِّباً أنّ كلامه لا يصدر من أهل ذاك المكان، فسأله الرسول عن أصله ودينه، فأخبره أنّه من أهل نينوى، وأنّه يعتنق النصرانيّة، فعرف رسول الله أنّ نينوى هي بلاد نبيّ الله يونس -عليه السلام-، فتعجّب الفتى وسأله عن صِلته بيونس، فقال رسول الله: “ذاك أخي، كان نبياً وأنا نبي”، ثمّ أخذ عدّاس يُقبّل يَدَي رسول الله وقَدمَيه، وقال لابنَي ربيعة إنّ الرسول أخبره بما لا يعلم به إلّا نبيّ، فلاموه وعاتبوه؛ لرجوعه عن النصرانيّة، وفي طريق عودة رسول الله من الطائف أرسل الله إليه جبريل؛ يستأذنه بأن يُطْبِق على أهل مكّة الجبلَين، إلّا أنّ رسول الله رفض ذلك؛ آملاً أن يستجيب أحدهم لدعوته.[١٤]

دعوة القبائل العربيّة
كان رسول الله حريصاً على استغلال موسم الحجّ في دعوة القبائل العربية إلى الإسلام، وكان يتحرّى أماكن تجمُّع الحجّاج، كالأسواق، مثل: سوق عُكاظ، وسوق مجنّة، وسوق ذي المجاز، ومع كلّ الجهد الذي بذله رسول الله في ذلك، إلّا أنّه لم تستجب أيّ قبيلةٍ لدعوته، وكانوا يردّون عليه بأسوأ ما عندهم، ويُؤذونه؛[١٥] حيث كان يدعو القبائل واحدةً واحدةً؛ حيث كان يخبر كلّ واحدةٍ منها أنّه رسولٌ من عند الله، ثمّ يدعوهم إلى عبادة الله -تعالى-، والابتعاد عن الشرك، وعن عبادة ما سواه، وأن يصدّقوه، ويحموه، إلّا أنّهم رفضوا دعوته، وعاندوه، وأصرّوا على ما هم عليه.[١٦]

الدعوة في المرحلة المدنيّة
لمّا أراد الله للدعوة الظهور، والانتشار، وتحقيق العِزّة والمَنَعة للنبيّ، وللدعوة، خرج رسول الله في موسم الحجّ، فالتقى رجالاً من قبيلة الخزرج من موالي اليهود، ودعاهم إلى الإسلام في مكانٍ اسمه العقبة، وتكلّم عن الإسلام، وتلا عليهم آيات من القرآن، فقَبِلوا ما عُرِض عليهم، وخرجوا مُتوجّهين إلى قومهم؛ ليدعوهم إلى ما آمنوا به.[١٧]

بدأ الناس في الجزيرة العربيّة ومكّة المُكرّمة بالهجرة إلى المدينة المُنوَّرة، وأقام رسول الله والمسلمون فيها، وعاشوا أوضاعاً تختلف عمّا عاشوه في مكّة، ومع اختلاف فئات الناس، وطبقاتهم، واتّجاهاتهم، إلّا أنّهم خضعوا لرسول الله، وساروا نحو أمره، كما لَقي رسول الله المهاجرين الذين تركوا بيوتهم، وأهليهم، وأموالهم؛ ابتغاء فضل الله، ورضوانه، قال الله -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)،[١٨] ولَقِي معهم أيضاً الأنصار الذين آمنوا برسول الله قبل أن يروه، وكان إيمانهم إيماناً يقينيّاً، فكان لا بُدّ من تنظيم العلاقة بين كلّ الفئات بوجود القيادة، وتحديد الحقوق، والواجبات لكلّ مَن هو ضمن دائرة مجتمع المدينة، وذلك من خلال:[١٩]

للمزيد من التفاصيل عن الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة الاطّلاع على مقالة: ((هجرة الرسول من مكة إلى المدينة)).

المُؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
أتمّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- المُؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ ليكونوا مُترابطين مُتكافلين، ولم تقتصر المُؤاخاة فيما بين المهاجرين والأنصار؛ فقد تمّت أيضاً بين المهاجرين أنفسهم؛ إذ آخى رسول الله بينه وبين عليّ بن أبي طالب -وكلاهما مُهاجرٌ- في مسجد رسول الله، كما كان يُؤاخي بين المسلمين كلّما دخل في الإسلام أحدٌ، أو قَدِم مُهاجرٌ جديدٌ إلى المدينة، وقد ظهر ما عند الأنصار من الإيثار، وحبّ الخير للغير، ولم يكن المهاجرين أقلّ منهم في ذلك؛ فقد ردّوا إلى الأنصار كلّ ما أعطوهم إيّاه حين استقرّت أمورهم، فأصبح المسلمون بذلك مجتمعاً واحداً، لا فرق فيه بين كبيرٍ وصغيرٍ، أو غنيٍّ وفقيرٍ، أو مهاجرٍ وأنصاريّ، أو حُرٍّ وعَبدٍ، بل كانوا جميعاً تحت راية الإسلام، وقيادة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ مُتواضعين لله، خاشعين، عابدين، وقد أثنى الله -سبحانه- عليهم في كثيرٍ من الآيات القرآنيّة، منها قوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).[٢٠][١٩]

وثيقة المدينة
جاءت وثيقة المدينة بعد المُؤاخاة؛ لتنظيم العلاقات بين الناس في المدينة المُنوَّرة، ضمن نصوصٍ مكتوبةٍ تُبيّن لكلٍّ منهم ما له، وما عليه، وتضع الضوابط التي يسير الناس عليها في تعاملهم مع الآخرين داخل المدينة، وخارجها، وقد مثّلت الوثيقة أوّل دستورٍ شرعيٍّ في الدولة الإسلاميّة في المدينة المُنوَّرة، ولم تترك الوثيقة قبيلةً من قبائل المدينة إلّا وضعت لها بنداً، وقانوناً، ونظّمت العلاقة بين القبائل، كما نظّمت الوثيقة حركة المسلمين وغيرهم بين مكّة والمدينة، ومن هنا بدأ رسول الله بنَشر بالدعوة عن طريق الجهاد في سبيل الله.[١٩]

مجتمع المدينة المُنوَّرة
تشكّلت ملامح المجتمع المسلم، وأصبح مثالاً على كلّ خيرٍ؛ بما تضمّنه من الصلاح، والخُلوّ من الفساد، والضياع، والفقر، والضعف؛ فقد طبّق رسول الله بنود الوثيقة تطبيقاً عمليّاً، ولم يجعلها مُجرَّد بنودٍ وحسب، وإنّما تشكّلت شخصيّة المسلم وِفق ما جاء فيها من الأخلاق، والسلوك، ومن أهمّ العناصر التي قام عليها المجتمع كماليّة الدين؛ فكانت الدعوة في مكّة قائمةً على بناء العقيدة السليمة من أجل بناء المجتمع المسلم؛ إذ إنّ التصرُّفات تعتمد على الاعتقادات؛ ولهذا بدأ رسول الله بالعقيدة حتى اطمأنّت نفوس المسلمين، وأصبح الإيمان يقينيّاً داخلهم، ثمّ تدرّجت أحكام الشريعة بالنزول عليهم؛ وِفقاً للأحداث، والمُجرَيات الواقعة، فما كان منهم إلّا أن استجابوا لما أُنزِل عليهم، وطبّقوه دون أدنى شَكٍّ، أو تردُّدٍ، ويتّضح من آيات القرآن الكريم أنّ الأوامر والنواهي لم تتكرّر كثيراً؛ فقد كانت تُطبَّق بمُجرَّد نزولها، وكان رسول الله هو المَرجع في التوجيه، والاستفسار، وبَقِي المسلمون على هذا الحال حتى اكتمل الدين، قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).[٢١][٢٢]

ويُشار إلى أنّ الأحكام الشرعيّة انقسمت إلى قسمَين، هما: الأحكام المُرتبِطة بالعبادات، كالصلاة، والصيام، والزكاة، والزواج، والأحكام المُتعلِّقة بأنشطة الحياة اليوميّة، المُتغيّرة والمُتجدِّدة، والتي تختلف من مكانٍ إلى آخرٍ، ومن زمنٍ إلى آخرٍ؛ فكان الحُكم فيها بقواعد يتمّ استنباطها منها، وقد اتّصف الدين الإسلاميّ بالعديد من الصفات، منها:[٢٢]

موافقة الفِطرة؛ فأحكام الإسلام والتكاليف الواردة وردت ضمن طاقة الإنسان، وما خلقه الله -تعالى- عليه، وبأدائها يشعر العبد بالراحة والرضا، كما يهتمّ الإسلام بتنمية بذرة الخير في نفس المسلم، ومحاربة الشرّ في داخله؛ فيسير وِفق الصراط المستقيم الذي يريده الله -عزّ وجلّ-.
الشمول؛ إذ يمكن تطبيق الإسلام في الأحوال جميعها؛ سواءً كان العبد غنيّاً أو فقيراً، كبيراً أو صغيراً، حاكماً أو محكوماً، وما إلى ذلك، على اختلاف الأحوال جميعها.

قيادة المجتمع المسلم في المدينة المُنوَّرة
كانت قيادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للمجتمع في المدينة المُنوَّرة مُرتكِزةً على القرآن الكريم؛ فرسول الله بمثابة صِلة العباد بالله؛ إذ يبلّغهم ما أُنزل إليه، ويحثّهم على التمسّك به، والعمل بمضمونه، وبهذا أدّى رسول الله ما أُمِر به، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)،[٢٣] وكان رسول الله أميناً في التبليغ، وحريصاً على وصول الإسلام إلى الناس، حزيناً على انصرافهم عنه، وحريصاً على أصحابه من أن يصيبهم أيّ أذى، كما لم يتنازل رسول الله عن تنفيذ حدود الله، وبذلك فإنّ المجتمع المسلم في المدينة المُنوَّرة تغيّرت أحواله على الأصعدة جميعها، إذ تلقّى الصحابة التغيُّر بالإيمان، والتصديق، والعمل؛ فأدَّوا الأوامر، واجتنبوا النواهي بحُبٍّ، ورضا.[٢٤]

لم يلتفت الصحابة إلى غير ما أُنزِل إليهم عن طريق الوحي، بل اكتفوا بما عندهم من الدين الكامل الذي لا يعتريه النقص، وقد وضع رسول الله أُسس التعامل مع الآخرين داخل المجتمع؛ من أجل تحقيق مصالح الجميع، وبذلك كانت رسالة الإسلام مثالاً يُحتذى به في المجالات جميعها، وتحوّلت جميع المُؤسَّسات داخل الدولة إلى مُؤسَّساتٍ ذات صِبغةٍ شرعيّةٍ، كمسجد قِباء، والمسجد النبويّ الذي كان مركزاً لحركة المسلمين؛ ففيه تُؤدّى العبادات، وتُستقبَل القبائل والوفود، ومنه تنطلق الجيوش، كما أنّ القوانين الخاصّة بأهل الذمّة وُضِعت فيه، وقد وصف الله -تعالى- ذلك المجتمع بقوله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)،[٢٥][٢٤]

الجهاد
شرع الله -تعالى- الجهاد مروراً بالعديد من المراحل، وفيما يأتي بيانها بشكل مُفصَّل:[٢٦]

مرحلة التحمّل والصبر
كانت هذه المرحلة في مكّة المكرّمة قبل هجرة المسلمين إلى المدينة المنورة، وقد أمر الله المسلمين بالصبر؛ لِما كان فيهم من عدم المقدرة على ردّ العدوان والمواجهة، إضافة إلى أنّ عددهم كان قليلاً مقارنةً بعدد المشركين؛ ولهذا لم يكن مطلوباً منهم إلّا الصبر، والحرص على الدين من الفتنة؛ بحيث يبذل كلٌّ منهم جهده على نفسه، وقد وردت العديد من الآيات القرآنية داعيةً وحاثّةً على التحمُّل والصبر على أذى المشركين، ومنها: قول الله -تعالى-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا)،[٢٧] ومع أنّ الآيات كانت خطاباً مُوجَّهاً إلى رسول الله، إلّا أنّ أمر الرسول يُعَدّ أمراً لأمّته، وممّا شجّع المسلمين على ذلك معرفتهم بأنّ الله -تعالى- يدافع عنهم، ورغم التخلّي عن القتال، إلّا أنّ ذلك كان فيه تحقيق لأخفّ الضررَين في حقّ المسلمين، وكان قائماً معمولاً به، وهو من أنواع الجهاد الثابتة، والمُقرّرة.[٢٦]

مرحلة الإذن بالقتال
جاءت هذه المرحلة بعد هجرة المسلمين من مكّة المكرّمة إلى المدينة المُنوَّرة؛ حيث أنزل الله -تعالى- قوله: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)،[٢٨] فقد أَذِنَ الله للمسلمين بالقتال بعد ما عانوه من أذى المشركين قبل هجرتهم، ممّا أدّى بهم إلى الخروج من مكّة تاركين خلفهم كلّ ما يملكونه، وكانوا أثناء تعرُّضهم للأذى يأتون إلى رسول الله يشكون إليه، وكان يُخبرهم في كلّ مرّةٍ أنّه لم يُؤذَن له بالقتال بعد، وذلك إلى حين بيعة العقبة الثانية؛ حيث تضمّنت اتّفاق رسول الله مع الذين بايعوه على أن ينصروه ويدافعوا عنه؛ فدلّ ذلك على قُرب الإذن بتشريع الجهاد، والقتال، ولمّا هاجر المسلمون بدأت قوّتهم بالظهور، فأُذِن بالقتال الذي كان في بداية الأمر على هيئة الغزوات والسرايا، وكلّ ذلك كان قبل وقوع غزوة بدر.[٢٦]

وتجدر الإشارة إلى أنّ تلك الغزوات والسرايا لم يشارك فيها سوى المهاجرين دون الأنصار؛ حيث إنّ الإِذن كان مُقتصراً عليهم، كما أنّ هذه المرحلة لا تخلو من الجهاد بالصبر والعفو؛ فالإِذن بالقتال يختلف عن الأمر به، والقتال يحتاج إلى الصبر، والخروج للقتال كان اختياريّاً أيضاً؛ فالمسلمون حينما خرجوا مع رسول الله إلى بدر كان خروجهم تطوُّعاً منهم، وحبّاً للجهاد، ولذلك حرص النبي على مشاورة الأنصار في الخروج إلى القتال، وفي هذه المرحلة أيضاً بدأ التمهيد للمرحلة الثالثة؛ بالنهي عن الانسحاب من المعركة، والأمر بالثبات فيها، والشدّة في المواجهة، والثقة بنصر الله، وتجهيز القوّة من الجيش والخيل.[٢٦]

دعوة الخلفاء الراشدين
بدأت الخلافة الراشدة بعد وفاة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، واستمرّت ما يقارب ثلاثين عاماً، بدءاً من خلافة أبي بكر، ثمّ عُمر بن الخطّاب، ثمّ عثمان بن عفان، وختاماً بعلي بن أبي طالب، وفي عهدهم ازداد عدد مُعتنِقي الإسلام، وامتدّت رقعته إلى أنحاء الأرض، فانشغل أبو بكر الصديق بعد وفاة النبيّ بحروب المُرتدّين عن الإسلام، ومانعي الزكاة، وأنفذَ جيش أسامة، ولمّا فَرَغَ من ذلك أرسل جيوشاً إلى العديد من النواحي؛ لنشر دعوة الإسلام، واندلعت العديد من المعارك، كذات السلاسل، والنهر، والتي أدّت إلى انتصار المسلمين وتحقيق غايتهم، وأتمّ عمر بن الخطاب تلك الغاية؛ فجهّز جيشاً بقيادة سعد بن أبي وقّاص، وأرسله إلى العراق، فكانت معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون.[٢٩]

واستمرّ المسلمون على ذلك النهج؛ ففتحوا بلاد العراق، وإيران، حتى أصبحت بلاد فارس جميعها إسلاميّةً، وأكملوا ما تبقّى من فتح بلاد الشام بقيادة عامر بن الجراح حتى وصلوا إلى بيت المقدس، فصالح عمر بن الخطاب أهلها، ومنحهم الأمان، وأكمل عثمان بن عفان مسيرة مَن قبله؛ فأرسل الجيوش إلى أفريقيا، وبلاد ما وراء النهر، وغيرهما، ويُشار إلى أنّ دعوة الخلفاء امتازت بالوعي الفكريّ؛ حيث اعتنق معظم سكّان البلاد الإسلام، وظهر الاهتمام بالتعليم، وبرزت الجهود الفكريّة في المراحل جميعها، ومنها: جمع القرآن في عهد أبي بكر، ونسخه في عهد عثمان، والحرص على نشر العلم، وحفظ القرآن، والسنّة النبويّة الشريفة، وغيرها من الجهود.[٢٩]

وسائل الدعوة الإسلامية
بعث الله -تعالى- رسوله محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم-، وأمره بتبليغ رسالة الإسلام إلى كلّ من يمكن تبليغه، فلجأ النبيّ إلى العديد من الوسائل الممكنة؛ لتحقيق الغاية المنشودة، ومن تلك الوسائل:[٣٠]

الحكمة والموعظة الحسنة: وهي من الأساليب الضرورية في الدعوة، قال الله -تعالى-: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ)،[٣١] ويُراد بالحكمة: القول المَبنيّ على أُسسٍ علميّةٍ دقيقةٍ مُتضمِّنةٍ للأدلّة والبراهين، بالإضافة إلى الموعظة الحسنة؛ ترغيباً في المودّة، واللين، والتعامل الحَسن، ثمّ المجادلة بالحُسنى؛ وهي المناقشة باستخدام الأساليب الحَسنة، وعلى الداعية أن يوظّف كلّاً منها في الموضع المناسب لها؛ فلا يبخل بها، ولا يفرط في استعمالها،[٣٢] كما ينبغي عليه أن يتّصف بالتواضع، والزهد، والكرم، وحُسن الخُلق، ودفع السوء بالإحسان.[٣٣]
الدعوة الفرديّة: فكان رسول الله يدعو مَن امتازوا بالذكاء والفِطنة، وكانوا يستجيبون لدعوته؛ فحفظوا الإسلام، ودافعوا عنه، كأبي بكرٍ، وعلي بن أبي طالب، وخديجة بنت خويلد، وقد استمرّ هذا الأسلوب من الدعوة في المراحل جميعها، وعلى الرغم من أنّ مركزه كان في مكّة المكرّمة، إلّا أنّه لم ينقطع بعد الهجرة.
الدعوة الجماعية: وكانت أيضاً في مكّة، ولها العديد من النماذج، منها: دعوة الرسول لجماعاتٍ من قريش، ودعوته للأنصار في العقبة مرّتين، واجتماع الرسول مع الذين أسلموا في دار الأرقم، وقد استمرّت تلك الصورة في المدينة أيضاً؛ بإلقاء الخُطب، والمواعظ، وما إلى ذلك.
الوعظ والتذكير: فقد كان رسول الله يستغلّ المواقف، والأماكن التي يُوجَد فيها الصحابة؛ فيَعِظُهُم ويذكّرهم، ويقدّم لهم ما هو نافعٌ من أمور دينهم.
القصص والأمثال: وهي من أكثر وسائل الدعوة نفعاً، وأكثرها تأثيراً على سامعها، كما تتميّز بسهولتها، ومرونتها، وقد وردت العديد من القصص في القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشريفة، كقول الله -تعالى-: (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِما أَوحَينا إِلَيكَ هـذَا القُرآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغافِلينَ).[٣٤]
إرسال الرسل: فقد حرص رسول الله على إرسال الصحابة الذين تميّزوا بالعلم إلى البلدان؛ ليدعوا الناس إلى الإسلام، ويُعلّموهم تعاليمه، كإرساله مُعصب بن عُمير إلى المدينة المُنوّرة قبل الهجرة.
كتابة الرسائل إلى الملوك: وذلك لدعوتهم، ودعوة أقوامهم إلى توحيد الله، ومنهم: هرقل عظيم الروم، والنجاشيّ ملك الحبشة، وغيرهما.
إنفاق المال: وذلك لتأليف القلوب للإسلام؛ حيث ورد أنّ رسول الله كان يبذل الكثير من الأموال في سبيل الدعوة إلى توحيد الله، وفي ذلك روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فأعْطَاهُ إيَّاهُ، فأتَى قَوْمَهُ فَقالَ: أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللَّهِ إنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً ما يَخَافُ الفَقْرَ فَقالَ أَنَسٌ: إنْ كانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ ما يُرِيدُ إلَّا الدُّنْيَا، فَما يُسْلِمُ حتَّى يَكونَ الإسْلَامُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَما عَلَيْهَا).[٣٥]

تعريف الدعوة والداعي
تعريف الدعوة
تُعرَّف الدعوة في اللغة والاصطلاح كما يأتي:[٣٦]

الدعوة في اللغة: من الدعاء، يُقال: تداعى الأفراد؛ أي اجتمعوا، ويُقال: دعا إلى أمرٍ ما؛ أي حثّ عليه، ورغّب به، فالدعوة في اللغة تدور حول معاني السؤال، والطلب، والحَثّ، والتحفيز، والترغيب.
الدعوة في الاصطلاح الشرعيّ: تَرِد الدعوة بأكثر من معنى كما فسّرها أكثر من عالِمٍ؛ فقد عرّفها ابن تيمية بأنّها: الدعوة إلى الإيمان بالله -تعالى-؛ بالتصديق، واليقين بأركان الإيمان، وأركان الإسلام، وصولاً إلى مرتبة الإحسان، وعُرِّفت بأنّها: تقديم النصيحة والإرشاد ممّن هم أهلٌ لذلك في كلّ وقتٍ، وفي أيّ مكانٍ؛ وذلك لتحفيز الناس للإسلام، وتحذيرهم من غيره، وِفق مناهج مُخصَّصةٍ، وعُرِّفت أيضاً بأنّها: بذل الجهد في نشر دين الله، وعرَّفها محمد الغزالي بأنّها: منظومةٌ مُتكاملةٌ تضمّ جميع الثقافات التي تُرشد الناس إلى طريق الخير، ويمكن تلخيص التعريفات السابقة بالقول إنّ الدعوة هي: إيصال الإسلام إلى الناس بكلّ ما يشمله من العبادات، والمعاملات، والاعتقادات، والأخلاق، والسلوكيّات، وِفق مَنهجٍ علميٍّ.

تعريف الداعي
يُطلَق لفظ (الداعي) على مَن يمارس الدعوة، ويُؤدّيها، أمّا في الشرع، فهو يُعرَّف بأنّه: مَن يُبلّغ الإسلام، ويُعلّمه للآخرين، ويعمل جاهداً في سبيل تطبيقهم إيّاه، ويمكن إطلاق لفظ الداعي على كلّ من يُؤدّي عملاً واحداً من أعمال الدعوة، أمّا مَن يُؤدّيها جميعها فهو الداعي الكامل، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا*وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)،[٣٧] كما يُمكن أن يُطلَق لفظ الداعي على كلّ مسلمٍ؛ لأنّ الدعوة إلى الله وظيفة المسلمين جميعهم، قال الله -سبحانه-: (قُل هـذِهِ سَبيلي أَدعو إِلَى اللَّـهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني).[٣٨][٣٩]

للمزيد من التفاصيل عن حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الاطّلاع على مقالة: ((بحث عن حياة الرسول منذ مولده حتى وفاته)).

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
أخلاق المسلم
التالي
الحياء من الكبير والتخلُّق بالحياء بحضرته ووجوده

اترك تعليقاً