خاطرة

نص نثري بقلم الاء كايد

تلاشى منزِلي
وقعتُ في حُبِّ امرأةٍ ذاتَ حينٍ فكانت لي بمثابةِ المنزلِ الدافئ الذي يحويني بعد تعرضي لشدادِ الحياةِ، كانت لي ربيعًا يُخيِّمُ على أيامي، أغوَّت ذاتي و أوقعتها في غرامها فما عُدتُ أدركِ أن للحُبِّ معانٍ سواها، تشبتتْ روحي بها فما خال إلي مَضِيُّ يومٍ دونها، فكانتْ هي حياتي، هي الروحُ التي تضجُ داخلي، هي كُلُّ شيءٍ لي، طمأنينتي، سعادتي، ابتساماتي، هي تشبهُ السلام، كسكونِ الليلِ و صوتِ المطرِ، فوددتُ لو أقضي جميعَ أيامي المُتبقيةِ برفقتها و دَعوتُ اللهَ كثيرًا أن يمدّها بالعُمرِ الطويلِ و أن يقبضَ روحي قبلها، فأنا لا أقوى على تحملِ فكرة فُراقها.

برفقتها عشتُ عمرًا جديدًا أختلف تمامًا عن عمري الذي سبق، برفقتها تفتحت زُهورُ قلبي، أشرقت شمسُ عتمتي، حلَّ ربيعُ خريفي وما اقتربتْ مني التعاسةُ منذُ أن أحببتُها، إلا أنّ أقرّ القدرُ برحيلها، فسلبها منّي دونَ سابقِ إنذارٍ، فرحلتْ إلى الرفيقِ الأعلى آخذةً معها بهجتي و سعادتي و فؤادي، صُعقتُ من هَولِ الحدثِ، فباتت تُراودني تساؤلاتٌ عديدةٌ، كيفَ حييتُ قبلَها؟ كيف رحلت دونَ أخذي كرفيقٍ لها؟ كيف لها أن تمضي دربًا جديدًا لوحدها؟ كيف سأتِم ما تبقى من أيامٍ لي هكذا؟ أسأحيا على قيدِ ذكراها، أم سأصبح روحًا مُتوفيةً و جسدًا تالفًا ينتظرُ قدوم أجلهِ ليُصبح رفيقكِ ولو بعد حينٍ من الدهرِ؟ ألا يُعقلُ أن يكونَ هذا كابوسًا فأستيقظُ منهُ لأحدِّثها عنهُ، فَتُهدِئ من روعي قائلةً لي أنّه كابوسٌ و مضى؟

إقرأ أيضا:ملامح نسيان : بقلم منى صامد المشاقبة

مضت ساعاتٌ عديدةٌ و أتضّح لي أن مُجرياتِ الأحداثِ التي مررنا بها كانتْ واقعًا مريرًا سيُرافقني منذ الآنَ، و بعد صراعٍ داخلي لا يُحكى، أتخذتُ قراري بأن أمضي الساعاتِ الأخيرةَ لها فوق الأرض قبل أن تتخذَ من التراب مسكنًا، فاحتضنتُ جثمانها لوقتٍ لا يُذكر و بكيتُ كثيرًا و عاتبتُها قائلاً: رحلتِ مُبكرًا يا عزيزتي و تركتني هُنا أواجهُ صعابَ الحياةِ وحيدًا، أتلقى صفعاتِ الدُنيا وما من أحدٍ ليحميني منها، رحلتِ انتِ و غابتْ الشمسُ معك، حلَّ الظلامُ الحالكُ على وجداني و انطفأت روحي و تلاشت بهجتي، فما عادَ هُناكَ سببٌ لبقائي سوا الدُعاءِ لكِ، سأذكركِ دائمًا، بين طيّاتِ الكُتبِ التي وددنا أن نقرأها سويًا، سألقى طيفكِ في الأماكنِ التي ارتدناها معًا، سأراكِ في أحلامي دائمًا، سأحتضنُ روحكِ في صلاتي و دُعائي، كما أحتضنتُ جثمانكِ الآن.

و حملتُ نعشكِ باكيًا، ودعتُ روحكِ للمرةِ الأخيرةِ و رأيتُ جثمانكِ الهامدَ يتخذُ مسكنًا لوحدهِ دوني، فبقيتُ واقفًا أمامَ قبرك داعيًا لكِ بالرحمةِ و الغُفرانِ و مُستائًا من حالي في الأيامِ المقبلة التي سأحيا بها دونك، و بعد ساعاتٍ طوالٍ مضيتُ قُدمًا نحوَ منزلي، فوجدتُ نفسي أعودُ إلى قبرها، فلا منزل لي سواها.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
نص نثري بقلم الآء عبد الجبار كايد
التالي
بقلم الكاتبة:إيناس حايك”نص نثري” مجلة أعرف أكثر

اترك تعليقاً