نص نثري بقلم دالية داود

أنا سعيدةٌ الآن؛ لكن أريدُ أن أبكي…
أريدُ أن أبكي على كلِّ الأيامِ الماضية، على كلِّ القصصِ الضائعة، على أشخاصِي الَّذينَ فقدتُهم، على جسدِي المرهق، على صلاتِي التي ضيَّعتها بدونِ قصد، على سورةِ البقرةِ التي لم أقرأها، على اليوم الَّذي ضيَّعتُهُ بدون دعاء.
أريدُ أنّ أبكي على ضحكاتِي المزيّفة، على كلمةِ “نعم” التي لم استبدلْها ب “لا”، على وردتِي الَّتي ذبلتْ لأنني لم أسقها، على عصفوري الذي ماتَ من الجوع، على سمكتِي التي أخذتها من البحر، على قلمِي الضائع، وكاستي الَّتي انكسرت، أريدُ أن أبكي على شطيرتي التي صَنعتها لي أُمّي ولم آكلْها، على الحلوى التي لم أشترها لأنّ نقودي قليلة، على الموعدِ المُؤجلُ، على صديقتِي التي تركتُها في الطريق، على صُّندوقِ الرسائِل الّذي حذفتُه بشراسةٍ
أريدُ أن أبكي على الطفولِة القاسيَة، على قتامةِ المواقف، على أبِي وأيامي الخالية منه، على الفرحِ الذي لم يكنْ فيه، على الحزن الّذي صنعُه غيابُه..أريدُ أنّ أبكي على كلِّ الفاقدين الذين مسَّ الفقدُ شخصًا عزيزًا عليهم، على كلِّ الذين لم يقولوا كلمتَهم الأخيرة، ولم تسنحْ لهم الفرصةُ أن يعانقوا العناق الأخير.
أريدُ أن أبكي على الأنشودةِ التي لم أنشدْها على المسرح، على تراجعِي وخوفي، على ندمي وقلقي، على الكلمةِ التي قيلت لي وجرحتني، على الخذلانِ الذي لا استحقه،
أريدُ أن أبكي على الأسئلةِ التي لم أجبْها، وعلى المرات التي أُجبرت أن أقول ما لا أريد، على المرة الأولى التي ضُرِبتُ فيها، على كلِّ الليالي التي كنتُ فيها وحدي، وعلى السماءِ والنجوم اللاتي نظرتُ إليهم وأنا أبكي، على إنارةِ الشوارع التي شتمتُها لأنني أبحث عن العتمة..

أريدُ أن أبكي على المكالماتِ الفائتة، على الرسائلِ الممزقة، على العباراتِ الناقصة، والكلمات المحذوفة، أريدُ أن أبكي على الوطن، على الأسرى والشهداء، على اليتامى والمرضى، على الموتى و الأحياء
أريد أن أبكي على عمري، وعلى كلِّ أيامي، وعلى العالم
أنا سعيدةٌ الآن، لكنني حزينةٌ على أيامي التي مضت…
وأريدُ أن أبكي.

Comments

0 comments