خاطرة

“زقاق المدينة الظّلماء” بقلم رغد ماجد أبو زيد(خاطِرة)

زقاق المدينة الظّلماء

ليلٌ حالك، صمتٌ يدوي في زِقاقها، لعنةٌ تسيرُ في أرجائها، حيرةٌ قاتلة، الكثير من الأفكار المشرّدة في دماغٍ مُتحركة، عيونٌ ذابلة، خذلان، لاوعي، قتل، انتظار، حُلم، حقيقة، سراب، تشتت، ضياع.
ثُم ماذا بعد كلّ هذا؟
هل انتهت كلّ الحلول؟
هل انقضت كلّ الأوامر؟
هل ذهب الحالُ إلى وضعٍ غير مُحال!
وأين أصبحتُ بعد كلّ هذا؟
وكيف شرعتَ الآن؟

مرّت من أمامي أنثى عنجهيّة، ذاتَ نظرةٍ متعجرفة، ليستْ انطوائية ولكنّها غريبة بشعرها البُنّي المجعّد، تجوب الشّوارعَ مُتمايلة، تطوفُ السّاحاتِ متكبّرة، خنقني وضعها، حيّرنِي حالها، تفاجئتُ بكلامها المُصتنّع، أنظرُ إليها من مسافَةِ مترين أو أكثر قليلاً، لم تنتبه لوجودي أو رُبّما بشخصيتها المبعثرة لم تلتف!
وما أثار فضولي حقّاً لمعتها الزّائدة أو بريقها المُنطفي بالرّغم من إظهار قوّتها، ولِم كلّ هذا؟
آهِ لو رأيت كَسرَتِها في صُلبِ جفونها، ليتك شاهدتَ رعشة يديها، رجفةَ شفتيها، قوةَ حديثها، وضُعفها المُتخافي بين كلّ صَمتها، ليتك رأيتها وهي تعبرُ في الطرقاتِ ملتفتةً بين هذا وذاك، ليتني سبقتها وسألتها ماذا تفعل في تلك الدّقائق، كيف لفتاةٍ مثلها أن تجيد النُّطقَ بغطرستها الظّاهرة؟
غريبةٌ هي!
غريبٌ كلّ ما يحدث يا سيّدي، وهل الغريبُ أنا أم هي!
اللّعثمةُ قتلتني، الصّعوباتُ حرقتني، الحريّةُ قيّدتني، الصّلابةُ آذتني، العِناد أرهقني، الدّموع أوجعتني، والمصائبُ لم تفارقنِ، الآلام تلاحقني، الماضي ورائي، الحاضر يناشدني، المستقبلُ يناديني،
وها أنا أمضي.
وهل كلّ هذا سيساعدني؟
وهل الموتُ يُرافقني؟
أخبرني يا رجائي، امنحني إشارةً أعلم بها ماذا سيحصلَ لي؟
بدأت أتلعثم بالحديث كطفلٍ لم يتجاوز الأشهرَ الأولى من عُمرِهِ، صحيح؟

إقرأ أيضا:“حسناوات آدم” بقلم كاميليا كامل محمد (خاطِرة)

أشعثٌ أغبر يجوبُ في حاراتٍ قديمة، جدرانٌ بالية، حجارٌ متراكمة، ألوانٌ تفتّحت من كُثر الرطوبة، درّاجاتٌ مُهترئة، بيوتٌ ملطّخة بدماء حمراء مائلة للأسود القاتم وكأنّه قد انقضى عليها منذ مئاتُ السنين، شيوخٌ بشعرٍ أبيض مُتساقط يجلسونَ على كراسيٍ مُجبَرّةُ غصباً، زوجاتهم العجزة مُجتمعاتٍ على حافةِ بيتٍ بوّابتهُ زرقاء صدئة، من كثرةِ النّحت على وجهها أصبحتْ بيضاء عتيقة مُمتلئة بالشّوائب الغائرة بين كلّ ثنيةٍ وأخرى، أنظر إليهن تارة وتارة لهؤلاء الرجال وتارةً لانعكاسِ صورتي في شمسٍ حارقة.
هل أُصبتُ بالعجز في مُقتبلِ عمري الضّائع؟
هل تجعّدت ملامحي، وانطفأت صورتي، وابيضَّ شعري؟
هل ثَقُل ظهري وانحنى؟
هل أُصبتُ بمرضٍ مُزمن بلا شفاء؟
لازلت في الثّالثِ والعشرين من عُمري، لازلتُ أمضي في طريقٍ بلا شفقةٍ ولا رحمة، في دنيا تأكلها ذئابٌ بشرية ساحقة، جنون العظمة يُلاحقهم، ذنوبُ الدُّنيا تُجسدهم، مقعدهم في جهنّم ينتظرهم، الفاجعةُ ستقتلهم، سيتمنّوْا الموت ولن يُحصلَّهم، فلا الحديثُ يصلبهم، ولا الحقيقةُ المرّة ستجدي نفعاً لهم، انتهى الامر وأنا في حيرتي يا سادة.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
“طمأنينة قلبي” بقلم حنين نجيب أبو سرحان(خاطِرة)
التالي
فوائد العناع

اترك تعليقاً