خاطرة

(على قيدِ اللّقَاء ) بقلم أمل خليل

لمْ تستَطِع أن تُحدّد مشاعِرهَا تِجاههُ ، أو أنْ تُدرِجَ علاقتهما تحتَ مُسمّى واضِح ، يمتَزِجان تحتَ رايةِ الصّداقة تارةً والحُبّ تارة أُخرى .
وهو أيضاً كانَ يُعاني من تناقُضٍ في المشاعر ، كانَ يثيرُ حيرتها بتصرفاتٍ لمْ تكُن تفهمها حينها ، هو لم يعترف يوماً بطريقةٍ علنيةٍ بأنّهُ يُحبّها ، وبِرغمِ أنّه كان حريصاً على ألّا يُعلِمها بذلكَ إلّا أنّ تصرفاتهُ العفويّة المُباغتة كانت تكشُفه .
.
ذات لقاء .. تحتَ أشعّة الشّمس الحارقة كانا يسيران إلى اللّامكان ، لا أحد يعرفُ وجهتهُ ، ولكنّ شعور الأمان الذي كان يرافقهُما حين يجتمعان معاً كانَ كفيلاً بأن يجعلهما يُتابعان المسير ، كان الاصطدام الخفيف الذي يحدث بينهما دون قصدٍ منهما يجعلها أكثر خجلاً بينما هو كان كمن أخذَ جرعةً دفعتهُ للكلام ، كلّما تلامَسا مصادفةً كان ينهَرها ويقول : كٌفّي عن الاقترابِ منّي ولمسي أيتُها الشقّية أو قولي علناً أنكِ تريدين أن تقتربي منّي كي يظنّ الناس أننا عاشقين .
كانت تتوارى خجلاً وراءَ كلماتٍ تدافعُ بها عن نفسها ، وفي محاولةٍ لتبرئةِ نفسها تباشِرُ بشرحِ الأمر لهُ وتستخدم يديها كعادتها أثناءَ الحديث ، لتلامس بدون قصد يديهِ المسدلتين إلى الأسفل ، كان يستخدم هذه الحركة ليُدينها ويقول بِـمُكر: ها أنتِ ترفعينَ يديكِ وتلامسين يديَّ .. هل الحق عليّ هذهِ المرة ؟
تتنهّدُ مستسلمةً ويغمزها منتصراً .
ليتوقف عندَ أحدِ المطاعم ويدعوها لتناولِ الطعام ، قد يبدو الأمرُ عادياً ولكنّها لِـكِثرة ولعها بالتّفاصيل كانت ترى أبعاداً للأمر ، بالنّسبةِ لها ليسَ مُجرد تناول للطعام بقدر ما هو لحظة جميلة تقاسِمهُ إيّاها وذكرى جديدة ستخلّدها معه .
بعدَ أن وافقتْ على عرضه وتركتهُ يختار لها وجبتها ، جلستْ تنتظرهُ ، أخرجت هاتفها وبحركةٍ مدروسة أدارتهُ بالاتجاهِ المعاكس للشّمس ونظرت إلى مظهرها المٌنعكس على شاشةِ الهاتف ، حسّنت من هيئتها وتأكّدت من أنّ قلم حُمرتَهَا الجديد لم يخذُلها ولا زالَ يُعطي لشفتيها لوناً يزيدُ على جمال وجهها رونقاً فتّاكاً .
عادَ بعد دقائقٍ ونظر إليها نظرتهٌ التي باتت تحفظها ؛ عندما يطيلُ النظرَ لدقيقةٍ كاملةٍ ثُم يرمشُ مرّتين متتاليتين ليُعيدَ النّظر لِـنصفِ دقيقةٍ يكون عندها تحتَ تأثير سحرها ، ولا يستطيع أن يمنع عينيهِ من التّطاول والنظر إلى جمالها المُنعكس تحتَ أشعّة الشّمس ، قالَ وهو لا يزال مُحملقاً في عَينيها المُختلفتين : لا تتحرّكي.
رفعتْ حاجبيها استغراباً ، وتابعت حركاتهُ بنظراتها ، أخرجَ هاتفهُ وقال: ابتسمي ، ثُمّ اِلتقطَ لها صوراً عديدة .
كان يشبهها بعضَ الشّيء ، كانَ مثلها يحبّ أن يخلّد ذكرى المواقف بينهما ، كانَ دائماً ما يلتقطُ لها الصّور وهي مشغولةً بأمرٍ ما .
بعدها يُتابعان السّير ، يُصبح الجوّ أكثر لُطفاً ، كانت هناك رغبة متبادلة بأن يُمسِكَ كلٌّ منهما يدَ الآخَر ولكنّهما يُكابران ، تُحب أن ترى انعكاس ظلّهما على الأرضِ ، تشعُر بالأمان عندما تُلاحظ فرقَ الطولِ بينهما ، كانت تُغريها قامتهُ الطّويلة وكيانهُ المرموق وكانَ ينجذبُ لِقصر قامتها ، ثمّةَ تواطؤ لذيذ يُحِبّانهُ عندما يتقابلان وجهاً لوجه وتحتاج لِـرفعِ رأسها كي تنظرَ إلى عينيهِ ، وكان نبضهُ يشتدّ عندما يصبحُ مستوى رأسها موازٍ لقلبه .
يسألها متعجّباً : لماذا لا تسألين إلى أين سآخذكِ ؟
تجيبهُ دونَ تفكير : لأنني أثقُ بك .
يخيّم الصمت عليهُمَا لبضعِ دقائقٍ ، ثمّ يقترحُ عليها أن تجلسَ على إحدى المقاعد ، توافق دون تردد .
يُمضيان بعضَ الوقت ، يتحادَثان .. يضحَكان .. يسخَران ويتألّمان .. يُوثّقان ببعض الصّور ذكرى تلكَ الجلسةِ ومن ثمّ يهُمّان بالمغادرة.
يُودِعُ كُلًّ منهُمَا قلبهُ عندَ الآخر ويَفترقان .

إقرأ أيضا:طيف راحل بقلم:”هدى الخالد”

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
هِيَ، بقلم: فاطمة سليمان”نص نثري”
التالي
الموضوع عن الرسالة الأخيرة

اترك تعليقاً