مقالات ونصوص متنوعة

خطبة جمعة عن حب الوطن – موضوع عن حب الوطن

حب الوطن من الإيمان

هي كلمة مأثورة حكيمة، جارية على ألسنة عامة الناس وخاصتهم من عقلاء ومفكرين، وحكماء ومثقفين، وهي بالنسبة للمسلم ذات معنى كبير، ومغزى عميق.

ذلك أنها تعني أولا الوطن الذي ولد فيه آباء المرء وأجداده، وينتسبون إليه وينتمون أبا عن جد، وخلفا عن سلف، ويرتبطون بأرضه ارتباط الولاء والإخلاص والوفاء له، والتعلق به والجهاد في سبيله، والتضحية من أجله بكل نفيس وثمين طيلة قرون وأجيال.

كان حب الوطن من الإيمان، وكانت هذه العبارة المأثورة الحكيمة كلمة صدق وحق في مبناها ومعناها، بغض النظر عن كونها ليست حديثا نبويا صحيحا في لفظها ونصها، وكانت كلمة حق في نطقها ومضمونها، لأن وطن المسلم بلد للإسلام، وأرض للتوحيد والإيمان، ومجال لصالح الأعمال، فحبه هو في الحقيقة والعمق حب لدين الإسلام، ولغة القرآن، ولشرعه السمح الحكيم، ولأخلاقه وقيمة المثلى، وفضائله ومثله ا لعليا، وحب لأمته ا لمسلمة المؤمنة،المجاهدة في سبيل دينها وعزتها وكرامة وطنها، الصامدة في الحفاظ على سيادتها ووحدتها، الساعية في تحقيق النهضة الشاملة لبلادها وشعوبها في كل مجال.

 

فحب الوطن من الإيمان كلمة حق  وصدق  يراد  بها الإخلاص والتجرد والانتماء والتضحية ..

إقرأ أيضا:فوائد خل التفاح للبشرة

فموطن الإنسان منا أحب إليه من نفسه وولده وأغلي عنده من ماله وكل ما يملك لذلك عد رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يموت في سبيل الدفاع عن أرضه من الشهداء وقرنه مع الدفاع عن النفس والمال والعرض والأهل .. ” من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد “. ( أبو داود والنسائي والترمذي وصححه، وأحمد). و عن سعيد بن زيد، وسنده صحيح :”من قتل دون مظلمته فهو شهيد ومن قتل دون أرضه فهو شهيد.

 

ولما خرج رسول الله صلي الله عليه وسل مهاجراً من مكة إلى المدينة كما روي عنه :”وقف علي الحزورة(سوق) ونظر إلى البيت وقال :”والله إنك لأحب أرض الله إلي وإنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك”(الترمذي والنسائي ). ورغم فساد أهلها وظلمهم له ومحاربتهم لدعوته ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم يعطينا درساً في الانتماء فيقول في رواية أخري :” ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك – قاله لمكة . (الترمذي).

وهذا يشير إلى مدي حب رسول الله صلي الله عليه وسلم لبلده مكة المكرمة موطن ولادته ونشأته وفيها البيت الحرام ولأنها منزل الوحي ولأن بها الأهل والأقربين ولأن بها مآثر إبراهيم.(خاتم النبيين2/5).

إقرأ أيضا:خربطةُ كيان/بقلم:فرح علي أبورياش(الأردن)”نصوص نثرية

والرسول صلي الله عليه وسلم كان حين يذكر أحد الصحابة مكة أمامه تذرف عيناه بالدمع ويقول له :”دع القلوب تقر” فهو عندما خرج من مكة خرج حزيناُ مكلوماً فبشره ربه قائلاً ” إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَاد  “(القصص/85).  جاء في تفسير القرطبي أن النبي لما خرج من مكة مهاجراً فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة فأوحى الله إليه هذه الآية.

ولما أصبحت المدينة هي دار دولة الإسلام أحبها كما أحب مكة ، فإذا كان في سفر فاقترب من المدينة أسرع في سيره كما ذكر البخاري في صحيحه أنه إذا كان في سفر فأبصر المدينة أوضع راحلته أي أسرع , يقول ابن حجر في شرحه فتح الباري لشرح صحيح البخاري وفي الحديث دلالة على مشروعية حب الوطن والحنين إليه ..

انظروا إلى بلال رضي الله عنه وهو عبد حبشي كان يسكن مكة ولما هاجر كان يحن إليه وهي الأرض التي عذبته..

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بفخ وحولي إذخر وجليل

وهل أرِدَّن يوماً مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل

فقال صلى الله عليه وسلم : لما رأى أصحابه من المهاجرين يشتاقون إلى بلدهم دعا الله ” اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وأشد حبا” .

إقرأ أيضا:فوضى مشاعر، بقلم : رهف محمد عثمان

ولا عجب فحب الوطن من الإيمان وقديما قال الحكماء :”الحنين من رقة القلب ورقة القلب من الرعاية والرعاية من الرحمة والرحمة من كرم الفطرة وكرم الفطرة من طهارة الرشدة(أي صحة النسب) وطهارة الرشدة من كرم المحتد(أي الأصل )وقال أخر:”ميلك إلى مولدك من كرم محتدك

وقال بعض الفلاسفة:”فطرة الرجل معجون بحب الوطن”ولذا قال أبقراط :يداوي كل عليل بعقاقير أرضه فان الطبيعة تتطلع لهوائها وتنزع إلى غذائها. وقالت الهند:حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك لأن غذائك منها وأنت جنين وغذاءهما منه” وقال أخر:من إمارات العاقل بره لإخوانه وحنينه لأوطانه ومداراته لأهل زمانه.وكانت العرب إذا غزت وسافرت حملت معها من تربة بلادها رملا وعفرا(ترابا) تستنشقه عند نزلة أوزكام أو صداع”(الحنين إلى الأوطان لأبي عثمان : عمر بن ). لذلك كانت السيدة عائشة رضي اله عنها دائماً تقول :”ما رأيت القمر أبهي ولا أجمل مما رأيته في مكة”وذلك كناية علي حبها وعشقها وشدة حنينها للوطن..

 

 

والحب يقتضي الانتماء والتعلق بالأوطان والمحافظة عليها وصيانتها وبذل النفيس الغالي من أجلها وفي سبيل رفعتها وبقائها ورفع رايتها عالية خفاقة فالانتماء ، كلمة معناها عظيم..وهذا الانتماء علي عدة أضرب منها الانتماء للدين والانتماء للوطن و للأسرة والأهل و للأرض  .

 

من أجل ذلك تحمل الرسول صلي الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين الأوائل الصعاب والمشاق في سبيل نشر الدين الإسلامي وتعرضوا لأشد أنواع العذاب والتنكيل .. حتى أن المسلم كان يأتي لرسول الله صلي الله عليه وسلم يشكو قسوة التعذيب ..كما روي أن خبابا يقول : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم و هو متوسد ببردة و هو في ظل الكعبة و قد لقينا من المشركين شدة فقلت :ألا تدعوا الله ؟فقعد و هو محمر وجهه فقال : قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه و يوضع المنشار على مفرق رأسه باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه و ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل ] زاد بيان :” و الذئب على غنمه “و في رواية “و لكنكم تستعجلون “(انفرد به البخاري دون مسلم).

 

وإذا أردنا أن نعرف معني كلمة وطن  ؟

فإن الوطن هو بضع أحرفٍ تُكوّن كلمةً صغيرةً في حجمها، ولكنّها كبيرة في المعنى؛ فالوطن هو بمثابة الأمّ والأسرة، وهو الحضن الدّافئ لكلّ مواطنٍ على أرضه، وهو المكان الذي نترعرع على أرضه، ونأكل من ثماره ومن خيراته، فمهما ابتعدنا عنه يبقى في قلوبنا دائماً. هو الأرض التي نبت فيها الإنسان وترعرع، والسّماء التي أظلّته، والهواء الذي يتنفّسه، والماء الذي يشربه، والخير الذي يأكل منه. وقد تغنّى الشّعراء بحبّ الوطن، فقال أحد الشّعراء: وطنى نشأت بأرضه ودرجت تحت سمائه ومنحت صدري قـوةً بنسيمه وهوائه ماء الحياة شربته لمّا ارتويت بمائه وملأت جسمى عزة حين اغتذى بغذائه ولذلك يجب أن نحافظ على وطننا بالدّفاع عنه وقت الخطر، وحمايته من كيد الأعادي، وفي وقت السّلم نعمل مخلصين لرفع علم بلادنا عالياً، وفي الحرب نهبّ للدّفاع عن الوطن ونقدّم أرواحنا فداءً له.

قال أمير الشعراء أحمد شوقي :

وطني لو شغلت بالخلد عنه ***نازعتني إليه في الخلد نفسي.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
ذاتُ أثر بقلم:حميدة العسّاف”نص نثري”
التالي
ما هو النيتش وما علاقة النيتش بالسيو وكيفية اختيار النيتش المناسب للربح منه

اترك تعليقاً