مقالات ونصوص متنوعة

ما لا يظهر على المسرح، بقلم : عوني وائل المسراوي

العرضُ ابتدى، المسرحُ ممتلئ والحشودُ تصفّق.
يخرجُ مقدّم البرنامج من خلف الستائر، يقولُ: نترككم مع كلمة الافتتاح للسيّد فلان. وكأنّما لم يقصّ هو الكلام لهذه الليلة.
تبّاً لعاداتهم الحمقاء، اشتريتُ تذكرةَ الحضورِ مقابلَ عمرٍ كاملٍ، حتّى أتكلّم ولو لمرّة، لم أشتريها لهذا الهراء، لكن عليّ الاستماع، فعمري كلّه لم يشتري لي إلّا المركز الأخير بالتكلّم، ليس لأنّ عمري رخيص، بل لأنّ معتقداتهم سافلة.
واحدٌ تلو الآخر، يتناوبون صعود المسرح، والبعض يتثاءبون، وحمقى يتساءلون: متى ننتهي؟.
وكأنّما الحياة فقط ليتكلّموا وينفّذوا.
آخرُ حمقاء نزلت من على المسرح تتمايلُ، يعلمونَ أنّه لم يبقَ سواي، يبدؤون توضيب أغراضهم، يديرون ظهورهم لي، يودّعون بعضهم، أصعدُ المسرح، آخر كلماتي، اشتريتها مقابل عمرٍ كامل، لم أتمالك نفسي، بدأتُ: أيّها الحمقى والحمقاوات. فاجأتهم كلماتي الثلاث، بدأ البعض بالنظرِ نحوي.
أكملتُ: بائعةُ الهوى التي لم تسمحوا لها بدخول المسرح طاهرة، أشكركم لأنّكم لم تدخلوها، لا تستحقّ أن تضيعَ وقتها على مسرحيّة حياتكم الهزليّة، كافحت كثيراً، وعندما خسرت كفاحها استسلمت، لم تولد مثلكم وبفمها ملعقة من ذهب.
مديرُ المسرح يحادث رجال الأمن، يبدو أنّني سيُلقى القبضُ عليّ، لم أكترث، أكملت: عارضةُ الأزياء التي تحترمونها بالحقيقةِ عاهرة، طبيبكم مدمنُ كذب، ضبّاطُ أمنكم قتلة، نساؤكم خائنات، حياتكم أكذوبة، فقراؤكم قسّيسون وشيوخ.
رجالُ الأمنِ يقتربون، أركضُ، وأصرخُ: هناكَ عبوة ناسفة تحت كلّ مقعد، ستموتون قبل أن تخرجوا، أراكم في حياةٍ أخرى.
أتابع الركض، أقفز من إحدى النوافذ، أسقطُ وتُكسر رقبتي، أموتُ.
لم تنفجر العبوات الناسفة، ظنّوا أنّها خُدعة، وقفوا حول جثّتي، صفّقوا، ظنّوا أنّني جزء من العرض، مقطع ترفيهيّ قبل الخروج.
تابعوا حياتهم اليوميّة كروبوتاتٍ حمقاء، لم يفهموا قطّ ما قلته قبل موتي، لم يفهموا مغزى الحياة، ماتوا بجهلهم.

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
كالعادة يا مرادي، بقلم : زينب أحمد البكري،”نصوص نثرية”
التالي
دجاج بالزبدة على الطريقة الهندية

اترك تعليقاً