مقالات ونصوص متنوعة

لأبنائكم أصحاب العلل، بقلم : عبد الرحمن راتب دراوشة ” نصوص نثرية ”

لأبنائكم أصحاب العلل..

أعزائي أعلم أن هذه الفئة من البشر على وجة الخصوص تستجذب  العطف والحنان الظامر في أعماقكم إلى حد الإفراط بهذه المشاعر أحيانًا، وما إن تصل  هذه المشاعر التي ذكرتَها لكم مسبقًا  حد الإفراط حتى تمضي مُخلفة وراءها نُدبًا لا تُمحى ولا تُجبر ولا يُطبَقُ عليها قانون النسيان ..

أعلم أن ما تفعلونه معهم لم يكن بمقصدٍ سلبي  في يومًا من الأيام وإنما كان بدافع المشاعر التي تنساب فطريًا تجاه هؤلاء الذين هم في الأساس فلذات أكبادكم الذين قرر القدر منحهم ورقة الإختبار الدنيوية بَدلًا منكم، فما كان منهم إلا أن تحملوا عناء الأختبار وقسوته بصبرٍ وإصرارٍ لا يتزحزحان عن عاتق الواحد منهم، وإن أصاب الوهن منهم ما أصاب في معظم الأوقات ..

حسنًا عزيزي القارىء هل لا زلت مستعدًا للإستماعِ للخطاب الذي يوجهه أحد الذين كانوا ولا زالوا من هذه الشريحة التي تحظى بمعاملة خاصة أفرحتهم أحيانٍ كثيرة ثم أردتهم طريحي الأرض والفراش أحيانٍ أُخرى..

حسنًا يا عزيزي القارىء الخطاب كان كالآتي :

” مساءُ الخير، مساء الخير على أصدقائي الذين ينتمون إلى شريحتي التي تسمى بأصحاب العلل، مساء الخير على من قام القدر بإنتقائهم ليكونوا خفيفِّ الظّل طُهراء الروح عليلِّ الجسد، ومساء الخير على الأصحاء، على الأقوياء عليلِّ الفكر والسلوك والتوجهات، وأنني ليطيبُ لي أن أكتب إليكم ما أكتبه الآن و آمالي تعلوا وتسموا أكثر وأكثر لأن يصل ما أخطُّه الآن إلى مسامعكم، عله يكون سبيلًا إلى التغيير وعلّي أكون من أؤلئك الذين فضلوا إعاقة الجسد على إعاقة الفكر بعد أن بلغ بهم  الأمر ما بلغ وبعد أن سار بهم الزمن عقودٍ و عقودِ..

إقرأ أيضا:ما وراء الحقيقة/بقلم لجين السيريسي

أصدقائي، هل أنتم على إستعدادٍ تام لتتعرفون إلي أكثر ؟ إن كان الجواب نعم،  أنا اليوم في عقدي الرابع أو أكثر بقليل، علاقتي بالآخرين تسوء رويدًا رويدًا، ولا سيما علاقتي بالمقربين الذين أعتقد أن علاقتي بهم قد بدأت تأخذ المنحنى ذاته لا بل تسير على الشاكلة ذاتها، ولا أعتقد أيضًا أن السبب بالغ الأهمية بالنسبة لأحد سوانا نحن، ولكن من نحن ؟، أجل نحن أبناء رابطة أصحاب العلل الذين ولدوا بنقصٍ جسديًا ذو أثرًا واضح، والسبب يعود لكوني أنتمي لكم ولكوني سئمت من المعاملة الرتيبة أو المسماة بالخاصة، ومن نظرات الشفقة المختبئة وراء مُقل الأصحاء، سئمت من كوني أخضع وأُُصنف تحت مسمى ” العاجز” ولكوني أبُ لا يفتخرُ به بسبب عيبٍ خُلقي لم يكن لي يدٌ في إختياره ولكوني صاحبُ سجلٍ قتالي يخلوا من البطولات التي كان من المفترض أن أتسامر وأبنائي على ضوء سِيَرِها الخافت وعلى آثارها وملابساتها عندما ننهي العشاء ونذهب للجلوس في البهو الفسيح في ليلة مقمرة..

مساء الخير يا أصدقائي، هل لا زلتم على استعدادٍ لسماع حكايتي؟ ، إن كانت إجابتكم نعم تابعوا معي إذًا، فمن الواضح أن مسار الحكاية قد أصبح يدور حول نفسه ساعيًا لاتخاذ مسلكٍ آخر في السرد ..

أصدقائي لقد وصلت إلى هذا الطوّر الحياتي وقد رأيت من المعاناة ما يرتعد له الخاطر خوفًا، لذلك آمُل أن تسمحوا لي بأن أقدم لكم بعض النصائح التي تصلح بأن تكون لكم ولأبناؤكم إن كانوا أصحاب عللٍ وإعاقة ..

إقرأ أيضا:اهم مناطق الغطاء النباتي

أعزائي، قوموا بتربية أبناءكم تربية قويمة سليمة تقوّم السلوك وتهذب النفوس، عاملوهم معاملة تقع في حيز العادي أو أقل بقليل، لأن لمثل هذه التصرفات أثرها في نفسِ أحد أطرافها إن لم يكن طرفها الأساس، أعطوهم المعول وأخبروهم بضرورة الذهاب والعمل والكد والتعب وأخبروهم بضرورة بناء علاقة مع أمهم الأولى وأخبروهم كيف يكونوا أكثر وفاءً لها، دعو المجال لسجيتهم الأولى لتتخذ قرار التنشئة بدلًا منكم، وقوموا بِحثهم على تلقائية العيش و على مُكافحة الإحساس بمتلازمة النقص لديهم، وأخيًرا حثوهم على القيام ببعض المشكلات إن كان لهذا دور في أن يضعهم في كفة الأصحاء الأقوياء ولأن يجعل منهم أشخاصًا طبيعيون يصيبون ويخطئون ولأن يجعل منهم أباءٌ مميزون وأبناءٍ يفخرون ويفخرون ..

قولوا لهم كلًاما بتصرفاتكم يدفع البعض منهم لقولِ الآتي:
أنا ابن هذه المعمورة أتيت إليها ناقص الجسد، تنقصني يدٌ أو رِجلُ، أو سمعٍ أو بصرٍ  و تعتريني بعض الاعتلالات، أتيت إلى هذه المعمورة بروحي التي تمتلى بالطهر وسأغادرها وأنا مُكتمل الفكر علّي أكون بذلك الرابح الأكبر في أن أكون ناقص الجسد ومُكتمل الفكر..”

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
علاجات منزلية لقتل الصراصير
التالي
أحبك و حدك، بقلم رعه رأفت سبيتان

اترك تعليقاً