مقالات ونصوص متنوعة

فتات من إنسان، بقلم : ليلى فراس ابو زكلي/ الاردن، “قصة قصيرة”

فتات من انسان

انتظرته لزمن طويل، عند حافة النافذة بدءاً من الساعة السابعة مساءً وحتى الرابعة قهراً بعد منتصف الويل…كنت كل يوم أُقنع نفسي أنه سيأتي حتماً
لا ملاذ من ذلك، ملأت نفسي بذلك الإصرار، كانت لي وصفتي الخاصة
ثلاث ملاعق من الإصرار وكوباً من الشجاعة وقوةً حسب الرغبه يُفضل أن تطهوها وروحك منهكةٌ ثم تتركها على نار هادئة حتى تستوي، بعد ذلك كنت أُطعمها لروحي، لا أُنكر انها لطالما تقيأتها
وأن كل محاولاتي باءت بالفشل
لا أُنكر أني تالمت جداً
أني لم أعد قادرة على التحرك على التألم على التعود حتى التنفس، أجل أصبح التنفس حملاً ثقيلاً علي
لذا…قررت أن أتقمص دور المواطن المسالم المظلوم لأنني سئمت وتعبت من لعب دور البطل دائماً ،الذي يُقتل في منتصف المعركة ثم يقف الجمهور ويصفقون بحرارة ويقولون يا له من شجاع وينسون انه مجرد دور!
ولدت في يوم الثامن عشر من شهر آب عام 1991
بعد عقم دام خمسة عشر سنة، تركتني امي وعمري سبع سنوات، ذهبت لمكان أكرهه جداً..أجل كنت أكرهه كرهًا شديداً لأنه المكان الوحيد الذي دائماً مايتركون به الآباء أطفالهم صغاراً ولا يأخذونهم معهم يتركونهم وحيديْن ،ذلك المكان الذي يدعى
الجنة، لم ياترى..هل كُتب على باب الجنة “ممنوع دخول الأطفال” أظن أن ذلك السبب الوحيد الذي يمنع أُمي أن تأخذني معها
تركتني مع والدي..ذلك الشيخ الذي كنت أعشق مشيبه وضحكته
كنت أُحبه كثيراً، كان سندي الوحيد..في السابع عشر من كانون الثاني عام 2004
تحديداً في الساعة السابعة
قال لي والدي أنه سيذهب ويحضر لنا بعض الخبز
أخيراً بعد تسعة أيام امضيناها بلا خبز ، كنا قد اعتدنا على شرب الماء الممزوج بالسكر ..قال إنه لن يتأخر
وإن تأخر ، أذهب للنوم وسيعود
بقيت أنتظره عند حافة النافذة، مرت الساعات وأنا أنتظر
كنت أتضور جوعاً
كنت مجبرة على انتظاره أصبحت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حتى غفت عيناي وغرقت في النوم
استيقظت في اليوم التالي وصرخت بفرح : “(بابا) أين أنت”
لم يجب أي أحد
نزلت وسالت جارتنا أُم أحمد
وأخبرتني أنها لم تره منذ الأمس..جلست مع أبنائها وأطعمتني وقد علمت أنني لم آكل منذ أيام
مرت الأيام ثم…وجدوا والدي منتحرا في احدى وديان القرية
وقد وصل رقبته بحبلٍ مع شجرة طويلة وكتب رسالة أُسندت إلى صخرة مجاورة
تقول :
إلى قرة عيني، فرح..كم وددت أن أرسم الفرح على وجنتيك الجميلتين أعتذر عن كل تقصير من أجلك…ياحبيبتي كم أردت أن أحشو طيات قلبك الأبيض بالأمل والسعادة
ولكن الحياة وقفت على ظهري الحاني..وبقيت وحيداً، مرت تسعة أيام دون أن أُطعمك ؛ لقد بان صدغاك الغائران كنت آكل روحي حزناً وألماً، ولكن هذا أمر الله فقررت أن أنتحر..أجل كان ذلك الحل الوحيد لكبح جماح ضميري وقتله
والدك المحب
كم مزقتني تلك الكلمات، كرهت نفسي وكرهت كل شيء
مِلتُ للإنطواء، كان ذلك يعجبني
لا أُحب ابتسامة تخفي آلاف الخدوش في القلب
وكم تزعجني ضحكة وقد استقرت في الروح مليارات السكاكين
أُحب أن أكون كما أنا
حزينة، منهكة، متعبة وفتات من إنسان ، أجل..فتات من إنسان وهل يكتمل إنسان بلا والديه و سأبقى كذلك
بذلك الجرح الذي مزقني إربا إربا
أنتظر عودة والداي عند حافة النافذة
يعجبني ذلك حقاً..وإن لم يعجبكم!

إقرأ أيضا:احذروا من البخل في المشاعر. د. اسامة الرقب (Open list) (0 submissions)

Leave your vote

Comments

0 comments

السابق
عذاب الحب, بقلم : دعاء علي أبوسمرة “نصوص نثرية “
التالي
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا/بقلم: سلام أحمد ابو سمرة(الأردن)”نصوص نثرية”

اترك تعليقاً